وإنما كانت عنايته منصرفة إلى النثر في جميع فنونه وأغراضه ، وهذه نماذج منه :
١ ـ كتب في رسالة إخوانية إلى بعض أصدقائه ، وفيها سجع متخير مقبول ، قال :
تناولت كتابك ولم يذكر مني ناسيا ، ولم ينبه لذكرك لاهيا ، فإني من يوم عرفتك لم يغب عني مثالك ، ولا تزال تتمثل لي خلالك ، ولو كشف لك من نفسك ما كشف لنا منها لفتنت بها ، ولحق لك أن تتيه على الناس أجمعين ، ولكن ستر الله عنك منها خير ما أودع لك فيها لتزينها بالتواضع ، وتجملها بالوداعة ، ولتسعى إلى ما لم يبلغه ساع ، فتكون قدوة في علو الهمة ، وبذل ما يعز على النفس من نفع الأمة ، زادك الله من نعمه ، وأوسع لك من فضله وكرمه ، ومتعنى بصدق ولائك ، وجعلك لي عونا على الحق الذي أدعو إليه ، ولا أحيا إلا به وله. والسلام.
٢ ـ وكتب إلى حافظ إبراهيم حين أهداه كتاب «البؤساء» ، ومعه رسالة تقدير وإطراء ، فقال :
لو كان لي أن أشكرك لفن بالغت في تحسينه ، أو أحمدك لرأي لك فينا أبدعت في تزيينه ، لكان لقلمي مطمع أن يدنو من الوفاء بما يوجبه حقك ، ويجري في الشكر إلى الغاية كما يطلبه فضلك ، لكنك لم تقف بعرفك عندنا ، بل عممت من حولنا ، وبسطته على القريب والبعيد من أبناء لغتنا.
زففت إلى العربية عذراء من بنات الحكمة الغربية ، سحرت قومها ، وملكت فيهم يومها ، ولا تزال تنبه منهم خامدا ، وتهز فيهم جامدا ، بل لا تنفك تحيى من قلوبهم ما أماتته القسوة ، وتقوم من نفوسهم ما أعذرت فيه الأسوة ، كلمة أفاضها الله على رجل منهم فهدى إلى التقاطها رجلا منا ، فجردها من ثوبها الغريب ، وكساها حلة من نسج الأديب ، وجلاها للناظر ،