نعلم ، لكن لم يطلب التسليم به لمجرد أنه جاء بحكايته ، ولكنه أقام الدعوى وبرهن ، وحكى مذاهب المخالفين وكر عليها بالحجة ، وخاطب العقل ، واستنهض الفكر ، وعرض نظام الأكوان وما فيها من الإحكام والإتقان على أنظار العقول ، وطالبها بالإمعان فيها لتصل إلى اليقين بصحة ما ادعاه ودعا إليه ، حتى أنه في سياق قصص أحوال السابقين. كان يقرر أن للخلق سنة لا تغير ، وقاعدة لا تتبدل فقال تعالى : (سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) وصرح سبحانه (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) ، (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ).
واعتضد بالدليل في باب الأدب فقال (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) ، وتآخى العقل والدين لأول مرة في كتاب مقدس على لسان نبي مرسل بتصريح لا يقبل التأويل ، وتقرر بين المسلمين كافة ـ إلا من لاثقة بعقله ولا بدينه ـ أن من قضايا الدين ما لا يمكن الاعتقاد به إلا من طريق العقل كالعلم بوجود الله وبقدرته على إرسال الرسل ، وعلمه بما يوحى به إليهم ، وإرادته لاختصاصهم برسالته ، وما يتبع ذلك مما يتوقف عليه فهم معنى الرسالة ، وكالتصديق بالرسالة نفسها ، كما أجمعوا على أن الدين إن جاء بشيء قد يعلو على الفهم فلا يمكن أن يأتي بما يستحيل عند العقل.
دفاع الشيخ عن الإسلام ، وتفنيد مزاعم المبشرين :
شمر الشيخ عن ساعد الجد ، وانبرى للمبشرين المسيحيين الذين تناولوا الإسلام بالطعن والتجريح ، وسفهوا عقائد المسلمين ، وحاولوا النيل من الرسول وصحبه ، وشوهوا تعاليمه ومبادئه ، ومن ورائهم جمعيات مزودة بالمال والمطابع والصحف ، كي يزعزعوا يقين المسلمين في دينهم ، ويصدوا عنه من أراد الدخول فيه من غير أهله ـ انبرى الشيخ لهؤلاء جميعا