٤ ـ ومن رسالة له إلى بعض علماء الشام حين هنأه بمنصب الإفتاء ، قال :
أما قومي فأبعدهم عني أشدهم قربا مني ، وما أبعد الإنصاف منهم ، يظنون بي الظنون ، بل يتربصون بي ريب المنون ، تسرعا منهم في الأحكام ، وذهابا مع الأوهام ، وولعا بكثرة الكلام ، وتلذذا بلوك الملام ، أدعو فلا يستجيبون ، وأعمل فلا يهتدون ، وأريهم مصالحهم فلا يبصرون ، وأضع أيديهم عليها فلا يحسون بل يفرون إلى حيث يهلكون ، شأنهم الصياح والعويل ، والصخب والتهويل ، حتى إذا جاء حين العمل صدق فيهم قول القائل :
لكن قومي وإن كانوا ذوي عدد |
|
ليسوا من الشر في شيء وإن هانا |
وأقول : ولا في الخير
وإنما مثلي فيهم مثل أخ جهله إخوته ، أو أب عقته ذريته ، أو ابن لم يحن عليه أبواه وعمومته ، مع حاجة الجميع إليه ، وقيام عمدهم عليه ، يهدمون منافعهم بإيذائه ، ولو شاءوا لاستبقوا باستبقائه ، وهو يسعى ويدأب ، ليطعم من يلهو ويلعب ، على أني أحمد الله على الصبر ، وسعة الصدر ، إذا ضاق الأمر ، وقوة العزم ، وثبات الحلم ، إذا اشتد الظلم ، وإن كنت في خوف من حلول الأجل ، قبل بلوغ الأمل ... الخ.
٥ ـ ومن أمثلة كتابته العلمية قوله في أحد فصول رسالة التوحيد :
جاء القرآن فنهج بالدين منهجا لم يكن عليه ما سبقه من الكتب المقدسة ، منهجا يمكن لأهل الزمن الذي أنزل فيه ولمن يأتي بعدهم أن يقوموا عليه ، فلم يقصر الاستدلال على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم بما عهد الاستدلال به على النبوات السابقة ، بل جعل الدليل في حال النبي مع نزول الكتاب عليه في شأن من البلاغة يعجز البلغاء عن محاكاته ، ولو في مثل أقصر سورة منه ، وقص علينا من صفات الله ما أذن الله لنا ، أو ما أوجب علينا أن