دعاءهم في المسجد ، ونظامهم في البيت ، ومنهاجهم في العمل ، ودستورهم في الحكومة ، فسري هدية منهم مسرى الروح ، وجري وحية فيهم مجرى الطبع ، وأثر في ألسنتهم وأفئدتهم وأنظمتهم تأثيرا لم يؤثره كتاب سماوي آخر في أهله ومن هنا كانت ثقافة الإسلام قائمة على ركنين أساسيين هما الدين بعلومه المختلفة واللغة بفنونها المعروفة ، وهذان الركنان يشد احدهما الآخر ويمسكه ، فالإسلام بغير العربية ينبهم ويضمحل ، والعربية من غير الإسلام تنكمش وتزول ، واللغات السامية مدينة ببقائها للدين ، فلو لا اليهودية ما بقيت العبرية ، ولو لا المسيحية ما بقيت السريانية ، ولو لا الإسلام ما بقيت العربية ، ولكن الفرق بين بقاء العربية وبقاء العبرية والسريانية هو الفرق بين الروح والذماء أو بين العين والأثر. والأزهر وهو وارث النبوة وحامي العقيدة وناشر الدعوة لا يمكن أن تقوم رسالته إلا على هذين الركنين ، وقد أداها بتأييد الله وتوفيقه تأدية أحلته من العالم الإسلامي كله محل الزعامة.
على أن فضله على علوم القرآن وعلوم اللسان قد يشاركه فيه بالكثير أو بالقليل طائفة من المدارس والجوامع أنشأها السلاطين في القاهرة ودمشق وحلب وبغداد والنجف وقرطبة والقيروان والزيتونة ، كالناصرية والقمحية والصلاحية والمؤيدية والمنصورية والشيخونية والظاهرية والكاملية والنظامية ؛ ولكن هذه المدارس التي عفى على أكثرها الزمن لم تستطع في حياتها منفردة أو مجتمعة أن ت (اول الأزهر فضله الخالد على اللغة العربية في بقائها لسانا للعلم ورباطا للمسلمين إلى اليوم.
تحيفت الخطوب السود لغة القرآن في محنتين أشفت فيهما على الموت لو لا أن تداركها الله بفضله : محنة الغزو المغولي في منتصف القرن السابع حين انتكث فتل العباسيين في العراق بتنافس الفرس والترك ، وتحارب الشيعة والسنة ، وذهاب جلال الخلافة من النفوس ، فقوص هولاكو عرشها سنة ٦٥٦ ه ، وتضعضع أمر الأمويين في الأندلس بتغلب