البربر والموالي على ملكهم وتقسيمه بينهم إلى دويلات سهل على الفرنج ازدرادها قطعة قطعة حتى ابتلعوها لقمة سائغة سنة ٨٩٨ ه .. ودالت دولة الفاطميين في مصر والشام فوقعتا في أيدي الأيوبيين ، ثم صارتا إلى المماليك وظلتا تحت سلطانهم حتى دخلتا في حكم الأتراك العثمانيين سنة ٩٢٣ ه ، فأتى على العرب ستون وخمسمائة عام لم يكن لهم فيها سلطان ولا ملك ، فأصبحت ديارهم وآثارهم نهبا مقسما بين المغول والترك والفرس والجركس ثم الأسبان بعد قليل ، وكان أكثر هؤلاء الأعجام وحشيين أميين فخربوا الدور وهتكوا الخدور وفجعوا اللغة وآدابها وعلومها بتحريق المكاتب وتعطيل المدارس وتقويض المراصد وتقتيل العلماء. ناهيكم بما فعله التتار في بخاري وبغداد ، والصليبيون بالشام ، والإفرنج بالأندلس ، فلو أن الزمان عفى على اللغة العربية وألحقها بأخواتها السامية لما كان ذلك خارقا لطبيعة الأشياء ولا بدعا في منطق التاريخ ، ولكنها بقيت على الرغم من هذه الخطوب لسانا للدين والعلم ، ولغة للحكومة والأمة في بلاد المغرب ومصر والشام وبلاد العرب والجزيرة ، ولو لا نعرة الترك وعصبية الفرس لكانت لغة المسلمين كافة. والفضل في بقائها بعد إدبار الزمان والسلطان عن أبنائها ، إنما كان لهذا الأزهر الجليل الذي اختصه الله بمزايا تميز بها على غيره ، منها صبغته العربية الخالصة بحكم نشأته وبيئته ، وموقعه الوسط بين الشرقين الأدنى والأوسط ، فكان ملتقى المسلمين من هنا ومن هناك ، ومنها قربه من الحجاز فكان طريق الحجاج والرحالين من علماء إفريقية والأندلس. ومنها تخريجه طائفة كبيرة من أعلام الفقه وأعيان الأدب جمعوا شتات اللغة والعلوم والآداب في أسفار أشبه بدوائر المعارف ، ومنها مكانته التي بلغت من قلوب المسلمين والحاكمين مبلغ القداسة وكان لها أثر بالغ في حل بعض المشكلات السياسية والاجتماعية ، ومنها كفايته الأساتذة والطلاب مؤونة العيش بأن كفل لهم الغذاء والكساء والمأوى والكتاب ، ومنها إيواؤه الناجين بحياتهم ودينهم وعلمهم وأدبهم وكتبهم من غارة المغول حين