اكتسحوا خراسان والفرس والعراق ، فكان من مهاجرة هؤلاء العلماء من الشرق والغرب إلى القاهرة من البحث والابتكار ما كان لمهاجرة علماء المسيحية من القسطنطينية إلى روما من البعث والازدهار. ومنها مناصرة الأيوبيين له بالمال والتعضيد ؛ لأنهم وإن كانوا أكرادا قد تكلموا بلغة العرب وتأدبوا بأدب العرب ونبغ من بينهم الشاعر والعالم والمؤرخ ، كالملك المؤيد عماد الدين أبي الفداء ، والملك الأفضل علي بن صلاح الدين ، وكان هذا الملك ضعيف الرأي كثير الغفلة فغلبه عمه العادل أبو بكر وأخوه العزيز عثمان على ملك الشام ومصر ، فكتب إلى الخليفة الناصر العباسي كتابا يشكو إليه فيه ذلك وقد بدأه ببيتين من الشعر أجاد في نظمهما كل الإجادة وهما :
مولاي إن أبا بكر وصاحبه |
|
عثمان قد أخذا بالسيف حق على |
فانظر إلى حرف هذا الاسم كيف لقي |
|
من الأواخر ما لاقى من الأول |
يريد بأبي بكر عمه ، وبعثمان أخاه ، وبعلي نفسه ، فأجابه الخليفة الناصر بقوله :
وافى كتابك يا ابن يوسف معلنا |
|
بالصدق يخبر أن أصلك طاهر |
غصبوا عليا حقه إذ لم يكن |
|
بعد النبي له بيثرب ناصر |
فاصبر فإن غدا عليه حسابهم |
|
وأبشر فناصرك الإمام الناصر |
والجزالة ظاهرة في شعر الملك الكردي ظهور الركاكة في شعر الخليفة العربي!.
كذلك أقول في المماليك فقد أيدوه وأمدوه ؛ لأنهم اتخذوا مصر وطنا ، والإسلام دينا ، والعربية لغة ، وكان من بينهم شعراء عالجوا القريض وأجادوه كالسلطان الغوري ، هؤلاء المماليك قد عضدوا العلماء وقربوا الأدباء ، وشدوا أزر المعلمين والمؤلفين ، حتى خرّج الأزهر في ظلمهم أولئك الأئمة الذين استودع الله صدورهم ذخائر العلم والحكمة فأودعوها