وقد نكل الإنجليز وتوفيق بعد ذلك بعلماء الأزهر تنكيلا شديدا. واستمر شيوخه لا يبالون بالحكام من أسرة محمد علي ، ولهم في ذلك مواقف مشهورة ، حتى قامت الثورة المصرية عام ١٩١٩. فنبعت من قلب الأزهر ، واشتعلت شرارتها في صحته ، وانبثق من منبره ومحرابه فجر الحرية لشعبنا المجيد الذي نال ما تمناه بفضل كفاحه الطويل العتيد.
ولا ننس موقف الشيوخ الثلاثة : عبد المجيد سليم ومأمون الشناوي وإبراهيم حمروش ، من سياسة القصر وعبثه بقوانين الأزهر واستقلاله وحريته ، وكيف أصدروا بيانا مطبوعا موجها إلى العالم الإسلامي ، ينددون فيه بفاروق ورئيس ديوانه ورئيس وزرائه ، ويسجلون عليهم في صراحة تدخلهم في شئون الأزهر وعبثهم بقوانينه. وللشيخ عبد المجيد سليم عند ما هدده رئيس الديوان بالخطر كلمة مأثورة خالدة : ما دمت أتردد بين بيتي والمسجد فلا خطر بإذن الله ، وله كلمة أخرى ندد فيها بفاروق وعبثه ومجونه عند ما أقام في كابري لاهيا عابثا ، قالها الشيخ وأعلنها وسارت مسير الأمثال ، وهي : «تقتير هنا وإسراف هناك».
هذه قطرة من كفاح الأزهر وأدائه لرسالته ، وللأمانة الملقاة على كواهل علمائه نحو الشعب. وهي تصور لنا في وضوح روح الأزهر وجوهره وسر خلوده وبقائه شاهق الذرى على مر الأجيال ، راسخا يرسل الضوء والنور والهدى إلى كل مكان رسوخ الجبال الراسيات. وهل هناك أروع من أن يصدر شيخ معمم فتوي ببيع أمراء المماليك الأتراك ليصرف ثمنهم في مصالح المسلمين ، لأن حكم الرق سار عليهم ، وهم أرقاء لسادتهم من أبناء مصر ، لأن السلطان اشتراهم من مال الدولة ، ولا يزال حكم الرق مستصحبا عليهم. وكان من جملة هؤلاء الأمراء نائب السلطنة ، وكلهم أصحاب حكم ، وسلطان ونفوذ وجاه ، وكان ذلك في منتصف القرن السابع الهجري ، وبعد منتصف القرن الثاني عشر الميلادي بقليل ، وكان هذا