يومذاك ، عند ما ذكره أحد قواد الأتراك بالآية الكريمة : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) ؛ فرد عليه عمر مكرم في عزة وإباء : أولو الأمر هم العلماء وحماة الشريعة والسلطان العادل.
ولما ولي محمد على حكم مصر استبد بالحكم ، وتنكر للشعب ، وبطش بالحريات ، وأسرف في فرض الضرائب ، وخان العهد الذي عاهد عليه العلماء بأن يحكم بالعدل والشريعة ، فاجتمع في الأزهر الشريف مجلس وطني من العلماء ، في أواسط جمادى الأولى ١٢٢٤ ه ـ أول يوليو ١٨٠٩ م لمقاومة محمد علي حتى يخضع لمشيئة الشعب في عدم فرض ضرائب جديدة ، وإلغاء الضرائب المستحدثة ، ورفض السيد عمر مكرم زعيم العلماء التوقيع على ميزانية محمد علي السنوية ، وقال كلمة خالدة مأثورة : «إن هذا الحاكم ـ يريد محمد علي ـ محتال ، وإذا تمكن فسيصعب إزالته ، فلنحاربه من الآن ، وأسرع محمد علي فخلع السيد عمر مكرم من نقابة الأشراف ، ونفاه إلى دمياط ، وقد ألقى السيد عمر مكرم تصريحا عقب إبلاغه بصنيع محمد علي معه ، جاء فيه : «إني راغب عن منصب النقابة ، زاهد فيه ، فليس فيه إلا التعب. وأما النفي فهو غاية مطلوبي ، حتى لا أكون مسئولا أمام الله عن ظلم يقع على الشعب ، وإني لا أريد إلا أن أعيش في بلدة لا تدين لحكم محمد علي». وظل السيد عمر مكرم منفيا في دمياط وطنطا حتى توفاه الله عام ١٢٣٧ ه ـ ١٨٢٢ م.
ولسنا ننسى الثورة العرابية وزعيمها الأزهري المصري القائد : أحمد عرابي ، وكيف وقف علماء الأزهر وراءه صفا موحدا ، يدعون الشعب إلى الجهاد تحت رايته ، وأصدروا فتوى شرعية بمروق الخديوي توفيق عن الدين لانحيازه إلى الجيش المحارب لبلاده. وأعلنوا في المؤتمر الوطني عزل توفيق ، ووقف أوامره وتكليف عرابي بالدفاع عن البلاد ، وأن يبلغ المجلس الوطني هذه القرارات إلى السلطان.