لقد أصدر الكاتب مؤلفا صغيرا عن السيدة زينب ، كما أصدرت السيدة بنت الشاطىء مؤلفا عنها ، وصاحبة السيرة رضي الله عنها ذات مجال محدود لا يسمح بكتاب خاص ، فماذا صنع الكاتبان؟! ..
لقد لجأت الدكتورة الجامعية إلى الأساطير والأخيلة تنسج فيها خيوط البحث التاريخي ، ولم أعجب بهذا المنهج ، فنقدته نقدا صريحا بالسنة العشرين من مجلة الرسالة سنة ١٩٥٢ م. أما الشرباصي فقد هدف إلى العاطفة الدينية يستثيرها استيثارا حبيبا ، وقد عالج مشاكل دينية واجتماعية تتصل بالموالد والأذكار والصلوات ، فجاء بحثه نميرا مستطابا ينعش الروح المؤمنة ، ويرضي الوجدان الصافي ، ولكنه لا يخرج عن مجال التأثير الخطابي إلى مجال التأمل والاستنباط ؛ وفائدة القارىء في المجال الأول محتومة مفروضة ، فقد زاد إيمانا ، ورسخ عقيدة ، وصفا نبعا وأخلاقا ، وذلك ثراء أي ثراء.
هذا وقد فرغ الكاتب إلى البحث العلمي الديني في بعض مؤلفاته القوية مثل : «القصاص في الإسلام» ، و «محاضرات الثلاثاء». ولن يضيره في شيء أن يعرض بحوثه الدقيقة النافعة في ثوب رائق واضح ، فالحقيقة العلمية لا ينتقص معدنها أسلوب مشرق واستطراد نافع ، وإنما يضيرها أن يتشعب بها القول في متاهة لا تحد ، وهذان الكتابان من النفاسة جوهرا ، والوضوح أسلوبا ، والتحديد منطقا ، في مستوى رفيع ، وإذا اكتمل للمؤلف كل ذلك فقد نجح وأفاد ...
يقول فضيلة الأستاذ الشيخ حسنين محمد مخلوف في معرض الحديث عن «محاضرات الثلاثاء» في «منبر الشرق» عدد أول فبراير سنة ١٩٥٢ : «من عادتي ألا أكتب عن كتاب إلا بعد أن أقرأ أكثر مباحثه على الأقل ، فإن استمالني لمتابعة القراءة فيه بغزارة مادته ، وطلاوة عبارته ، وجودة معانيه مضيت فيه إلى نهايته ... وقد أهداني فضيلة الأستاذ أحمد الشرباصي