مقامة تعرب بحسن معانيها عن لطائف المعاني ، وتفصح عن عذوبة السجع بما يفوق رنات المثاني ، قد احتوت على جد القول وهزله ، ورقيق اللفظ وجزله وملح الآداب ونوادره ، إلى ما وشحتها به من الآيات ومحاسن الكنايات ، ورصفته فيها من الأمثال اللغوية واللطائف الأدبية والأهاجي النحوية والفتاوي اللغوية والرسائل المبتكرة والخطب المحبرة ، فهي حقيقة أن تكتب بسواد للعيون ، وأن تشتري بنفائس الأرواح لا بنقد العيون» إلى آخر ما يقول. وهذا الوصف لهذه المقامة أقل في الواقع مما تستحقه من إعجاب وتقدير ، ومن ميزاتها :
أولا : تحتوي على تاريخ للأسرة حتى عصر مؤلفها.
ثانيا : تحتوي على تاريخ لحياة هذا الرجل العظيم الذي ألفها.
ثالثا : وهي بأسلوبها الأدبي الممتاز مثل في البلاغة والبيان.
رابعا : ثم هي بهذا الأسلوب الساحر تبسط قواعد العلوم الشرعية واللغوية والأدبية وتعرض كل ما عرضت له منها عرضا يقبله الذوق وترتاح له النفس وتهش له المشاعر والوجدانات.
خامسا : احتواؤها على كثير من شعر المؤلف الخالد.
٦ ـ المقامة السعفانية لمؤلفها نافع الجوهري الخفاجي وهي أقل بكثير جدا من حجم المقامة السابقة ، وكلها هزل ممتع ، وفكاهة بارعة ، يقول في أولها :
«حدثنا عجلان ، عن أبي عطوان ، عن أبي عيسى الهتان ، عن ناظر الوسنان ، عن أبي سعفان ، عن أبي عيسى جوهري الزمان ، عن راح الروح والريحان ، عن أبي ثعلبة بن ثعلبان ، قال مررت يوما على بلدة وريقة ، خضراه نضرة أنيقة ، يقال لها تلبانة عدي بن مضر ، وإذا بها أربعة من الشبان ، قد تحلى بألفاظهم فم الزمان ، وتجلى بوجوهم ناظر الإنسان ،