وهذه هي نص كلمة الرثاء التي ألقيتها على قبره يوم وفاته.
عقد الخطب اللسان ، وعيّ لهول المصاب البيان ، وارتاع لهذا الرزء الفادح الجنان ، وأي رزء هو!!
لقد انطفأ المصباح الهادي ، وخبا النبراس المنير ، وذهب بالرجل أجله ، ولقد كان يسير به أمله ، إلى ضيق القبر ، وفسحة الأجر والنعيم.
ذهبنا به في ربيع الحياة إلى أرض حافلة بالعبر والعبرات ، آهلة بالعظات والذكريات ، فأودعناه في حمى آمن ، يستبشر به المتقون ، وييأس فيه من رحمة الله القانطون ، ثم عدنا بالدموع والذكرى ، فاجتمعنا في هذا الجمع نحيي ذكرى الفقيد ، وبأي شيء نحيي ذكراه؟
لقد كان شاعرا وأديبا وشاعرا ، فحرى بنا أن نستمد من ذكراه العظة البالغة ، وخليق بنا أن نذكره لعلمه وأدبه إن لم نذكره لحسبه ونسبه.
لقد عاش الفقيد مجاهدا فشقى بعذاب الجهاد في حياته ، جاهد أول شبابه في سبيل آماله الواسعة ، وأمانيه الكبيرة ، ثم جاهد بعد ذلك آلام الحياة التي لاحقته وحالفته وسارت به إلى أجله المحتوم ، فما أروعه جهادا وما أعظمه مجاهدا ، وما أسعده بأجر الجهاد.
لقد كان الفقيد يستمد علمه وأدبه من عقلية واسعة ، وذهن ثاقب ، أكثر مما كان يستمده من اطلاع واسع ، ودراسة مضينة ، وكان ينظم الشعر بملكة صناع ، وروح مبدعة ، ويعرضه في أسلوب جميل وديباجة مشرقة ، ظلت تلازم أدبه. حتى وهنت صحته ، ووهى أمله ، فدبت إليها روح الضعف ، كما دبت في نفسه روح اليأس والقنوط ، وعلى حين غفلة سكت الشاعر البليغ ، وذهب العالم العبقري إلى عالم الأبدية ، ودنيا الخلود. فسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا.
وهذه قصيدة من غر قصائده نثبتها هنا ، قال :