وتلطيف الوجدان ، وإبان أصول الأخلاق ، وقرر التمتع بالطيبات ولم يحرم إلا الخبائث ، ووضع حدودا تحد من طغيان النفوس ونزوات الشهوات ، ووضع أصول النظم الاجتماعية وأصول القوانين : قواعد كلها لخير البشر وسعادة المجتمع الإنساني .. هذه صورة مصغرة جدا للدين الإسلامي ، وشرح قواعده وأسراره ، ومتى أدى الأزهر هذه الرسالة على وجهها فقد أدى نصيبا عظيما من السعادة والخير للجمعية الإنسانية. وفي القرآن الكريم حث شديد على العلم ، وعلى معرفة الله وعلى تدبر ما في الكون ، وليس هناك علم يخرج موضوعه عن الخالق والمخلوق. فالدين الإسلامي يحث على تعلم جميع المعارف الحقة. وليس في المعارف الصحيحة المستقرة شيء يمكن أن يناقض أصول الدين ويهدمها ، نعم قد توجد معارف تناقض ما وضعه العلماء في شرح القرآن والحديث والفقه وغير ذلك ، ولكنا لا نهتم لهذا. فليسر العلم في طريقه ، ولنصحح معارف الماضين ، ولكن على شريطة أن يكون ما يخالف معارفنا من العلم البرهاني المستقر ، ولم يقصد من هذا أن يكون الأزهر مدرسة طب أو هندسة ، أو كلية للكيمياء أو ما يشبه هذا : ولكنه يعني أن هناك علوما ومعارف لها صلة وثيقة بالدين ، تعين على فهمه ، وتبرهن على صحته ، ويدفع بها عنه الشبهات. فهذه العلوم يجب أن يتعلمها العالم الديني أو يتعلم منها القدر الضروري لما يوجه إليه.
وقد تغيرت في العالم طرق عرض السلع التجارية ، وأصبح الإعلان عنها ضروريا لنشرها وترغيب الناس فيها. ولديكم الحوانيت القديمة ومخازن التجارة الحديثة ، فقارنوا بينها تدركوا ما في طريقة العرض الحديثة من جمال يجذب النفوس إليها ، وما في طريقة العرض القديمة من تشويه ينفر النفس منها. وقد توجد في الحوانيت القديمة سلع أحسن صنفا وأكثر قيمة وأمتن مادة ، ومع ذلك فهي في كساد ، وكما تغيرت طريقة عرض السلع تغيرت طريقة عرض العلم ، وأحدث العلماء طرائق تبعث الرغبة الملحة في العلم ، وتنفي عنه الملل والسأم ، حدثت هذه الطرق في إلقاء