بتحيتكم فيما بينكم ، فقلنا : نرغب بها عنك وأما تحيّتك التي لا ترضى إلّا بها فإنها لا تحلّ لنا أن نحييك بها ، قال : وما تحيتكم فيما بينكم؟ قلنا السلام ، قال : فما كنتم تحيون به نبيكم؟ قلنا : بها ، قال : فما كان تحيته هو؟ قلنا : بها ، قال : فبما تحيون ملككم اليوم؟ قلنا : بها ، قال : فبم يحييكم؟ قلنا : بها ، قال : فما كان نبيكم يرث منكم؟ قلنا : ما كان يرث إلّا ذا قرابة ، قال : وكذلك ملككم اليوم؟ قلنا : نعم ، قال : فما أعظم كلامكم عندكم؟ قلنا : لا إله إلّا الله ، قال : فيعلم الله لانتفض حتى كأنه ذو ريش من حسن ثيابه ، ثم فتح عينيه في وجوهنا ، قال : فقال : هذه الكلمة التي قلتموها حين نزلتم تحت غرفتي ، قلنا : نعم قال : كذلك إذا قلتموها في بيوتكم تنفضت لها سقوفكم ، قلنا : والله ما رأيناها صنعت هذا قط إلّا عندك ، وما ذاك إلّا لأمر أراده الله تعالى ، قال : ما أحسن الصدق ، أما والله لوددت أنّي خرجت من نصف ما أملك وأنكم لا تقولونها على شيء إلّا انتفض لها ، قلنا : ولم ذاك؟ قال : ذاك أيسر لشأنها وأحرى أن لا تكون من النبوة وأن تكون من حيل ولد آدم ، قال : فما ذا تقولون إذا فتحتم المدائن والحصون؟ قلنا : نقول : لا إله إلّا الله ، والله أكبر ، قال : تقولون : لا إله إلّا الله والله أكبر ، قال : تقولون : لا إله إلّا الله والله أكبر ليس غيره شيء؟ قلنا : نعم ، قال : تقولون : الله أكبر هو أكبر من كلّ شيء؟ قلنا : نعم ، قال : فنظر إلى أصحابه فراطنهم ثمّ أقبل علينا فقال : تدرون ما قلت لهم؟ قلت : ما أشدّ اختلاطهم ، فأمر لنا بمنزل وأجرى لنا نزلا فأقمنا في منزلنا ، تأتينا ألطافه غدوة وعشية ثمّ بعث إلينا فدخلنا عليه ليلا وحده ليس معه أحد ، فاستعادنا الغلام فأعدناه عليه ، ثم دعا بشيء كهيئة الربعة ضخمة مذهبة فوضعها بين يديه ، ثم فتحها فإذا فيها بيوت صغار عليها أبواب ، ففتح منها بيتا فاستخرج منها خرقة حرير سوداء فنشرها ، فإذا فيه صورة حمراء ، وإذا فيها رجل ضخم العينين عظيم الأليتين لم ير مثل طول عنقه في مثل جسده أكثر الناس شعرا ، فقال لنا : أتدرون من هذا؟ قلنا : لا ، قال : هذا آدم صلىاللهعليهوسلم ، ثم أعاده وفتح بيتا آخر فاستخرج منه خرقة حرير سوداء فنشرها فإذا فيها صورة بيضاء ، وإذا رجل له شعر كثير كشعر القبط ـ قال القاضي : أراه قال : ضخم العينين بعيد ما بين المنكبين عظيم الهامة ـ فقال : تدرون من هذا؟ قلنا : لا ، قال : هذا نوح صلىاللهعليهوسلم ، ثم أعادها في موضعها وفتح بيتا آخر فاستخرج منه خرقة خضراء ، فإذا فيها صورة شديدة البياض ، وإذا رجل حسن الوجه حسن العيش (١) شارع الأنف ، سهل الخدين ، أشيب الرأس ، أبيض اللحية كأنه حي يتنفس ، فقال : تدرون من هذا؟ قلنا : لا ، قال : هذا إبراهيم ، ثم أعادها
__________________
(١) في الجليس الصالح : وإذا رجل حسن العينين.