فصل
ومن أعظم ما وقع فى أيام السلطان قايتباى من الأمور الهائلة :
حريق المسجد الشريف النبوى ، ذكرناه استطرادا لأنه أمر هائل عظيم الهول ، وتفسير ذلك :
أن فى ثلث الليل الأخير من ثلث ليلة الاثنين ثالث عشر شهر رمضان سنة ٨٧١ ه طلع رئيس المؤذنين الشيخ شمس الدين محمد بن الخطيب إلى المئذنة الشريفة اليمانية من ركن المسجد الشريف المعمور بالبرشة وهو يذكر ويمجد ، وكانت السماء متراكمة بالغيوم ، متوازنة بالنجوم ، إذ سمع رعد هائل ، وسقطت صاعقة لها لهب كالنار أصابت بعض هلال المئذنة ، فانشق رسها ومات المؤذن (رحمهالله تعالى) ، وسقط باقيها على المسجد الشريف عند المئذنة فعلقت النار فيه ، ففتحت أبواب المسجد ونودى بالحريق فى المسجد ، فحضر أمير المدينة ـ يومئذ ـ السيد قسطل بن زهر الجمالى ، وشيخ الحرم ، والقضاة ، وسائر الناس ، وصعد أهل النجدة والقوة إلى سطح الحرم بالمياه فى القرب ليسكبوها على النار لتنطفئ فالتهبت وأخذت فى جهة الشمال والمغرب ، وعجزوا عن إطفائها فهربوا ، واستولت النار عليهم فمات منهم فوق عشرة أنفس ، وعظمت النار جدا ، وحاطت بسائر سقف المسجد الشريف ، وأحرقت ما فى المسجد من المصاحف وخزائن الكتب ، والربعات ، وكانت كتب نفيسة ، ومصاحف عظيمة.
وصار المسجد كبحر لجى من نار ترمى بشرر كالقصر إلى أن استوعب الحريق جميع المسجد والقبة العليا التى فوق قبة النبى صلىاللهعليهوسلم ، وذاب رصاصه ، ولم يصل أثر النار للحجرة الشريفة النبوية (على ساكنها أفضل الصلاة والسلام) سلامة القبة السفلى ، وعدم التأثير فيها مع ما يسقط عليها كما هو أمثال الجبال ، واحترقت حتى حجارة الأساطين ، وسقط منها نحو مائة وعشرون أسطوانة ، واحترق المنبر الشريف النبوى ، والصندوق الذى فى