وكان أبو عنان لمّا ملك بجاية ، (١) ولّى عليها عمر بن علي بن الوزير ، (٢) من شيوخ بني وطّاس ، وجاء (٣) فارح ، مولى الأمير أبي عبد الله لنقل حرمه وولده ، فداخل بعض السفهاء من صنهاجة (٤) في قتل عمر بن علي ؛ فقتله في مجلسه. ووثب هو على البلد ، وبعث إلى الأمير أبي زيد ، يستدعيه من قسنطينة ، فتمشت رجالات البلد فيما بينهم خشية من سطوة السّلطان. ثم ثاروا بفارح فقتلوه ، وأعادوا دعوة السّلطان كما كانت ، وبعثوا عن عامل السّلطان بتدلس ، (٥) يحياتن بن عمر ابن عبد المؤمن ، شيخ بني ونكاسن من بني مرين ، فملكوه قيادهم ، وبعثوا إلى السّلطان بطاعتهم. فأخرج لوقته حاجبه محمد بن أبي عمرو ، وأكثف له الجند ، وصرف معه وجوه دولته وأعيان بطانته. وارتحلت أنا من بسكرة ، وافدا على السّلطان أبي عنان بتلمسان ، فلقيت ابن أبي عمرو بالبطحاء ، (٦) وتلقّاني من الكرامة بما لم
__________________
(١) انظر أخبار تملّك أبي عنان لبجاية في تاريخ ابن خلدون ٧ / ٢٨٩.
(٢) بيت بني الوزير هذا ، له الرياسة على بني وطاس من قبل بني مرين ، ونسب بني الوزير دخيل في بني مرين ، وهم من أعقاب يوسف بن تاشفين. وانظر الحديث المفصل عن بيتهم في العبر لابن خلدون ٧ / ٢١٧.
(٣) جاء في الاستقصا ٢ / ٩٠ ، في بيان في هذا الحادث :
«وكان أبو عبد الله الحفصي قد استصحب معه في وفادته على السّلطان أبي عنان حاجبه فارحا ، مولى ابن سيد الناس. فلما نزل للسلطان عن بجاية ، نقم فارح عليه ذلك ، وأسرها في نفسه إلى أن بعث الحفصي المذكور مع الوطاسي لينقل حرمه ، ومتاعه ، وماعون داره إلى المغرب ، فانتهى إلى بجاية ، شكا إليه الصنهاجيون سوء مملكة بني مرين ، فنفث إليهم بما عنده من الضغن ، ودعاهم إلى الثورة بالمرينيين ، والدعوة إلى الحفصيين ، وللفتك بعلي بن عمر الوطاسي بمجلسه من القصبة ... الخ».
(٤) صنهاجة بكسر الصاد ، والمعروف في المغرب فتحها : قبائل كثيرة من البربر في المغرب. وانظر تاج العروس ٢ / ٦٧.
(٥) تدلس بفتح التاء وسكون الدال : مدينة بالجزائر على ساحل البحر الأبيض. انظر ياقوت ٢ / ٣٦٩.
(٦) البطحاء : موضع يقع فيما بين بسكرة وتلمسان ، وبينه وبين تلمسان نحو ثلاثة أيام. ياقوت ٢ / ٢١٧.