فأعانني الوزير مسعود عليه ، حتى أذن لي في الانطلاق على شريطة العدول عن تلمسان ، في أي مذهب أردت ، فاخترت الأندلس ، وصرفت ولدي وأمّهم إلى أخوالهم ، أولاد القائد محمد بن الحكيم بقسنطينة ، فاتح أربع وستين. وجعلت أنا طريقي على الأندلس ، وكان سلطانها أبو عبد الله المخلوع ، (١) حين وفد على السّلطان أبي سالم بفاس ، وأقام عنده ، حصلت لي معه سابقة وصلة ووسيلة خدمة ، من جهة وزيره أبي عبد الله بن الخطيب ، (٢) وما كان بيني وبينه من الصحابة ، فكنت أقوم بخدمته ، وأعتمل في قضاء حاجاته في الدولة. ولما أجاز ، باستدعاء الطاغية لاسترجاع ملكه ، حين فسد ما بين الطاغية وبين الرئيس المتوثّب عليه بالأندلس من قرابته ، خلفته فيمن ترك من عياله وولده بفاس ، خير خلف ، في قضاء حاجاتهم ، وإدرار أرزاقهم ، من المتولّين لها ، والاستخدام لهم. ثم فسد ما بين الطاغية وبينه ، قبل ظفره بملكه ، برجوعه عمّا اشترطه له ، من التجافي عن حصون المسلمين التي تملّكها بأجلابه ، ففارقه إلى بلد المسلمين ، ونزل بأسجة. (٣) وكتب إلى عمر بن عبد الله يطلب مصرا ينزله ، من أمصار الأندلس الغربية ، التي كانت ركابا لملوك المغرب في جهادهم ، وخاطبني أنا في ذلك ، فكنت له نعم الوسيلة عند عمر ، حتى تمّ قصده من ذلك. وتجافى عن رندة وأعمالها ، فنزلها وتملّكها ، وكانت دار هجرته ، وركاب فتحه ، وملك منها الأندلس أواسط ثلاث وستّين ، واستوحشت أنا من عمر ، إثر ذلك كما مرّ. وارتحلت إليه ، معوّلا على سوابقي عنده ، فغرّب في المكافأة كما نذكر (إن شاء الله تعالى).
__________________
(١) سبق التعريف به في هامش ص ٣٩.
(٢) لسان الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن سعيد المعروف بابن الخطيب (٧١٣ ـ ٧٧٦) انظر بروكلمن ٢ / ٢٦٢ ، والملحق ٢ / ٣٧٢ حيث ذكر المراجع عنه ، ومؤلفاته.
(٣) أسجةEcija) قيدها ابن خلدون بالقلم ، بفتح الهمزة ، وكسر السين المخففة ، عرضها الشمالي ٣٠ ـ ٣٧ ، وطولها الغربي ٨ ـ ٥. تقع في الجنوب الغربي لقرطبة على بعد نحو ٥٤ كيلومترا.
ويقال لها أيضا إستجة ، وتحت هذا الاسم تجدها في الروض المعطار ص ١٤ ـ ١٥ ، ياقوت ١ / ٢٢٤.