المغرب ، وهو يسمعه إياه ، وأجازني بسائره ، وهو يرويه عن شيخه محدّث المغرب أبي عبد الله محمد بن رشيد الفهري السّبتي (١) عن مشيخة أهل سبتة ، وأهل الأندلس ، حسبما ذلك مذكور في كتب رواياتهم وطرق أسانيدهم ، إلا أنّها لم تحضرني الآن ، وفيما ذكرناه كفاية والله يوفّقنا أجمعين لطاعته وهذا حين أبتدي ، وبالله أهتدي.
وانفضّ ذلك المجلس ، وقد لا حظتني بالتّجلّة والوقار العيون ، واستشعرت أهليتي للمناصب القلوب ، وأخلص النّجيّ في ذلك الخاصّة والجمهور ، وأنا أنتاب مجلس السّلطان في أكثر الأحيان ، لتأدية الواجب من التّحية والمشافهة بالدّعاء ، إلى أن سخط السّلطان قاضي المالكية يومئذ في نزعة من النّزعات الملوكية ، فأبعده ، وأخّره عن خطّة القضاء في رجب ستّ وثمانين وسبعمائة ، ودعاني للولاية في مجلسه ، وبين أمرائه فتفاديت من ذلك ، وأبى إلّا إمضاءه ، وخلع عليّ ، وبعث الأمراء معي إلى مقعد الحكم بمدرسة القضاء ، فقمت في ذلك المقام الممود ، ووفّيت عهد الله وعهده في إقامة رسوم الحقّ ، وتحرّي المعدلة ، حتى سخطني من لم ترضه أحكام الله ، ووقع في ذلك ما تقدّم ذكره ، وكثر شغب أهل الباطل والمراء ، فأعفاني السّلطان منها لحول من يوم الولاية ، وكان تقدّمها وصول الخبر بغرق السّفين الواصل من تونس إلى الإسكندرية ، وتلف الموجود والمولود ، وعظم الأسف ، وحسن العزاء ، والله قادر على ما يشاء.
ثم خرجت عام تسعة وثمانين لقضاء الفرض ، وركبت بحر السويس من الطور إلى الينبع ، ورافقت المحمل إلى مكّة ، فقضيت الحجّ عامئذ ، وعدت إلى مصر في البحر كما سافرت أولا. وشغرت وظيفة الحديث بمدرسة صلغتمش ، فولّاني السّلطان إيّاها بدلا من مدرسته في محرّم أحد وتسعين ، ومضيت على حالي من الانقباض ، والتّدريس ، والتّأليف ، حتى ولّاني خانقاه بيبرس ، ثم عزلني عنها بعد سنة أو أزيد ، بسبب أنا أذكره الآن.
__________________
(١) هو أبو عبد الله محمد بن عمر بن محمد بن عمر .... بن رشيد الفهري السبتي (٦٥٧ ـ ٧٢١) ، له ترجمة في البغية ص ٨٥ ، الدرر الكامنة ٤ / ١١١ ، شذرات الذهب ٦ / ٥٦.