قامة ، أمر المنصور بوقف البناء بعد أن نمى إلى علمه انتقاض محمد ذى النفس الزكية بالمدينة المنورة عليه ، وأقام بالكوفة حتى فرغ من قمع ثورة العلويين بقيادة الأخوين محمد وإبراهيم ، وعاد إلى بغداد ليستأنف عملية البناء ، وكان مولاه أسلم قد أحرق ما أعد لبناء المدينة من الخشب والساج خوفا من أن ينتصر العلويين ويزحفوا إلى بغداد ويستولوا على أدوات بنائها (١).
ومهما يكن من أمر فقد استأنف المنصور بناء مدينة بغداد ، وجعلها مدورة ، ويذكر اليعقوبى (٢) أنه لا يعرف فى جميع أقطار الدنيا مدينة مدورة غيرها.
وبنيت المدينة مدورة لئلا يكون الملك إذا نزل وسطها إلى موضع منها أقرب منه إلى موضع (٣).
أحاط المنصور مدينته بسورين ، وجعل للبلدة أربعة أبواب للسور الداخلى ونظير لهذه الأبواب بالسور الخارجى ، وأول هذه الأبواب باب خراسان ويسمى باب الدولة لاقبال الدولة العباسية من خراسان ، والثانى باب الكوفة وهو تلقاء الكوفة ، والثالث باب الشام وهو من ناحية الغرب ، والرابع باب البصرة وهو بمقربة من دجله (٣) فكان القادم إلى بغداد أو من الشرق يدخل من باب خراسان ، والقاصد من الحجاز يدخل من باب الكوفة ، والقاصد من المغرب يدخل من باب الشام ، والقاصد من فارس والأهواز وواسط والبصرة واليمامة والبحرين يدخل من باب البصرة (٤) ، وكان بين كل باب من أبواب المدينة والباب الآخر مسافة تقدر بميل (٥).
عنى المنصور بتحصين مدينته ، فأحكم بناء السورين ، وجعل للمدينة أبوابا متينة من واسط والكوفة والشام ، ونصبها على أبواب خراسان والكوفة
__________________
(١) الطبرى : تاريخ الأمم والملوك حوادث سنة ١٤٦ ه.
(٢) اليعقوبى : البلدان ص ٢٤.
(٣) le strange : Baghdad during the Abbassid Coliphate p. ٩
(٤) ابن طباطبا : الفخرى فى الآداب السلطانية ص ١٤٥ ـ ١٤٦.
(٥) ياقوت معجم البلدان ج ٢ ص ٢٣٥.