وجدير بالذكر أن محمد بن الحسن اتصل بالإمام مالك وروى عنه الموطا ، وروايته للموطا من أهم الروايات لأنه أوضح فيه الخلاف بين أهل الحجاز وأهل العراق فى الفقه ، وقد قدم الشافعى إلى بغداد ، وأخذ عن محمد بن الحسن ، وكتب عنه وقرأ أجمل كتبه ، وله من الكتب ، كتاب المبسوط فى الفقه ، وكان بينه وبين الشافعى مناظرات ، وقد أثنى عليه الشافعى ، وأبرز مكانته العلمية والخلقية بقوله : «أنه كان يملأ القلب والعين» وقال : ما رأيت أعلم بكتاب الله من محمد كأنه عليه نزل (١).
ولقد أدت شهرة بغداد بعلمائها وفقهائها إلى قدوم طلاب العلم إليها ، فرحل أسد بن الفرات إلى بغداد ، وتعلم فقه أبى حنيفة من علمائها ، غير أنه لما عاد إلى مصر اتصل ببعض فقهاء المالكية وأخذ عنهم آراء الإمام مالك وعاد إلى القيروان ، ونشر آراء الإمام مالك هناك ، فى مقالات سميت بالأسدية وتوفى غازيا فى صقلية (٢).
ومن أشهر الأئمة الذين وفدوا على بغداد فى العصر العباسى الأول وأقاموا بها فترة من الزمن ينشرون معارفهم على الناس والطلاب بصفة خاصة ، أبو عبد الله محمد إدريس الشافعى الذى جمع بين أقوال أهل الرأى ، وآراء أهل الحديث ، وهو أول من تكلم فى أصول الفقه ، وأول من وضع أسسه ومبادئه ، كثير من المناقب جم المفاخر منقطع القرين «درس علوم القرآن دراسة وافية شاملة ، وألم بأقوال الصحابة والتابعين ، وآراء الفقهاء وعلوم العربية. وقال عنه أحمد بن حنبل : ما عرفت ناسخ الحديث من منسوخة حتى جالست الشافعى وقال عن الشافعى أنه كالشمس للدنيا والعافية للبدان.
والشافعى هاشمى قرشى ولد بغزة سنة ١٥٠ ه وتربى فى محيط عربى ، لذلك نشأ بارعا فى اللغة العربية والشعر القديم ، واتصل ـ كما قلنا ـ بالشيبانى
__________________
(١) المالكى ، رياض النفوس ص ، ١٦٠
(٢) ابن خلكان ، وفيات الأعيان ج ٣ ص ، ٢٧٧