ومن أعلام الأدب فى بغداد الفراء تلميذ الكسائى ، وقيل لو لا الفراء ما كانت العربية لأنه خلصها وضبطها ، ولولاه لسقطت العربية. لأنها كانت تتنازع ، ويذهبها كل من أراد ، ويتكلم الناس فيها على مقادير عقولهم وقرائحهم. فشرح الفراء النحو بطريقة واضحة مبسطة يستفيد منها الخاص والعام ، وبالإضافة إلى تمكنه من الفقه والنحو فإنه كان عالما بالنجوم والطب وأيام العرب وأشعارها (١).
اتصل الفراء بالمأمون ، فأمره أن يؤلف ما جمعه من أصول النحو ، وما سمع من العرب ، وأفرد له حجرات فى قصره ليقيم فيها ، وظل سنتين حتى أنتهى من مؤلفه (٢).
وليس مجال هذا البحث التاريخى مناقشة الأتجاهات الأدبية لمدرستى الكوفة والبصرة ، إما يعنينا فى هذا المقام إبراز هاتين المدرستين على بغداد ، فالخلفاء والأمراء العباسيون اعتمدوا على الكوفة فى تأديب أولادهم ، لذلك وفد الكوفيون بكثرة إلى بغداد وتخيروا ما يناسب مجالس السمر والمنادمة من أقوال ، لذلك نراهم يتجهون باللغة والعلم اتجاها جديدا فيه البساطة والوضوح أكثر مما فعله البصريون ، وأنتهى النزاع بين المدرسين ـ أقصد مدرستى الكوفة والبصرة ـ إلى اندماجهما فى مدرسة واحدة ، وهى مدرسة بغداد (٣).
ظهر فى العصر العباسى الأول أدباء مشهورون مثل عبد الله بن المقفع ، كان شاعرا فى نهاية الفصاحة والبلاغة ، ترجم من الفارسية إلى العربية ، لأنه كان ضليعا فى اللغتين ، وقد ترجم كتبا منها كتاب كليلة ودمنة الذى ترجمه من أقاصيص كتب باللغة السنسكريتية ـ وهى اللغة الهندية القديمة ، ويعد هذا الكتاب من أقدم كتب النثر فى الأدب العربى ويمتاز بقوة الأسلوب ومتانة العبارة ، وله كتاب مزدك وكتاب التاريخ فى سيرة أنوشروان وكتاب الأدب الكبير (٤).
__________________
(١) ياقوت ، معجم الأدباء ج ٧ ص ٣٨٦.
(٢) ابن خلكان : وفيات الأعيان ج ٥ ص ٢٢٥.
(٣) أحمد أمين : ضحى الإسلام ج ٢ ص ٣١٢.
(٤) ابن النديم : الفهرست ص ١٧٢.