ومن أدباء بغداد المشهورين ابن قتيبة الدينورى ، شب فى بغداد منتدى الأدب ومهد العلم يومئذ ، فتفرع للدرس ، وجد فى التحصيل على علماء الحديث وأئمة اللغة والرواية وشيوخ الأدب حتى صار أحد العلماء الأذكياء وحجة فى اللغة والأخبار وأيام الناس وغريب القرآن ومعانيه والشعر والفقه ، كثير التصنيف والتأليف ، ولقد أجمع العلماء على تقدير قيمة مصنفات ابن قتيبة وأنها عظيمة القدر جليلة النفع ، وأشهر مولفاته ، المعارف وعيون الأخبار وطبقات الشعراء وتاريخ ابن قتيبة وقد توفى سنة ٢٧٦ ه (١).
وأما عمرو بن بحر الجاحظ ، فقد عرف بحرية الفكر والميل إلى الاعتزال ولد بالبصرة ، وتثقف فى اللغة والنحو والأدب ، وشغف بالقراءة حتى قيل إنه لم يقع فى يده كتاب إلا استوفى قراءته ، وكان يكترى دكاكين الوراقين ، ويبيت فيها للقراءة ولم تقتصر ثقافته على العربية ، بل تثقف بالثقافة اليونانية والفارسية على يد أربابها (٢) وكان لتنقلاته الكثيرة فى البلدان أثرها بمعرفة آحوال الناس. لذلك أعطى صورة واضحة عن الحياة الإجتماعية فى عصره ، ومن أشهر كتبه «البيان والتبيين» ، كتاب «الحيوان» كتاب «التاج فى أخبار الملوك» و «التبصر بالتجارة».
وألف فى علم الكلام كتاب «خلق القرآن» وفى المجالات العلمية ألف كتاب النبات وكتاب الحيوان.
كذلك وجد الشعر رواجا كبيرا فى بغداد فى العصر العباسى الأول ، وظهر كثير من الشعراء ، ابتكروا منهجا جديدا فى الشعر يختلف عن منهج الذين سبقوهم ، ومن أشهر شعراء بغداد أبو نواس نشأ فى البصرة واختلف إلى بعض شعراء هذه الأيام ودرس نحو سيبويه ، وتعلم غريب الألفاظ ، وأجاد فى جميع أنواع الشعو خصوصا فى الخمر والغزل والصيد ، وسخر من الأطلال ، وخالف فى ذلك من سبقه من الشعراء الذين يبدأون شعرهم بالإشادة بذكرها ، وقد أثرت طريقته الشعرية وأساليبه وتصرفه فى أبواب النظم ، واستنباطاته للمعانى ، ونال
__________________
(١) أنظر مقدمة كتاب عيون الأخبار لابن قتيبة.
(٢) ابن خلكان : وفيات الأعيان ج ٢٤. ٢٣.