إلى خرائب ورماد حتى أتت النيران على أحياء باكملها ودمرت هذه الحرب قصرى الخلافة ، باب الذهب فى وسط المدينة ، والخلد على دجلة (١).
وكان لمقتل الأمين أثر سئ فى نفوس أهل بغداد ، فاشتدت معارضتهم للمأمون وثاروا على وزيره الحسن بن سهل حتى غادر بغداد سنة ٢٠١ ه ، وزاد أهل بغداد ، معارضة المأمون حين بايع لعلى الرضا بولاية العهد وأمر الناس يلبس الخضرة ـ شعار العلويين ـ بدلا من السواد ـ شعار العباسيين ـ لذلك بايعوا إبراهيم بن المهدى ولقبوه المبارك وظل يحكم بغداد مدى عامين ، غير أن خيانة قواده له ، وتمردهم عليه أجبرته على تسليم المدينة وزمام الحكم إلى المأمون ، ونزل المأمون بالجانب الشرقى حيث نقل إليه مقر حكمه فى قصر من قصور البرامكة وقام بتوسيعه (٢).
وقدر لبغداد أن تنزل عن مركزها الممتاز بعد أن انتقلت حاضرة الدولة إلى سامرا ، ذلك أن المعتصم جمع جيشا من الترك بلغ عدة آلاف وألبسهم أنواع الدبياج ، والمناطق الذهبية والحلية المذهبة ، وأبانهم عن سائر جنوده ، وكان الأتراك يؤذون الناس بمدينة السلام بجريها الخيول فى الأسواق ، وما ينال الضعفاء والصبيان من ذلك (٣) وضاقت بهم بغداد وتأذى بهم الناس بعد أن زاحموهم فى دورهم وتعرضوا بالنساء ، فتذمر أهل بغداد وتقدموا بالشكوى إلى المعتصم ، فرأى الخليفة ضرورة الإنتقال من بغداد مع عسكره ، ووقع اختياره على سامرا ، وشيدها سنة ٢٢١ ه ، وأتخذها حاضرة بدلا من بغداد. وبذلك فقدت بغداد أهميتها كحاضرة إسلامية كبرى.
حقيقة ظلت بغداد محتفظة بقدر كبير من النشاط الأدبى والإزدهار الإقتصادى ، لكن انتقال حاضرة الخلافة عنها ، أفقدها السيادة على المملكة الإسلامية الكبرى.
__________________
(١) المسعودى : مروج الذهب ج ٢ ص ١٦٦.
(٢) ابن طباطبا : الفخرى فى الأداب السلطانية س ١١١.
(٣) المصدر السابق ذكره.