على أن مدينة بغداد لم تنعم بازدهارها طويلا ، بل تعرضت بعد عامين من وفاة الرشيد إلى التخريب والتدمير ، ذلك أن الخلاف نشب بين الأمين والمأمون ـ ولدى الرشيد ـ وما لبث أن تطور هذا الخلاف إلى حرب بين الأخوين ، وحاصرت قوات المأمون بغداد ، أربعة أشهر بقيادة هرثمة بن أعين وطاهر بن الحسين ـ قائدى المأمون ـ وعزل هرثمة الجانب الشرقى عن الجانب الغربى ، وهدم سوره ، بينما حاصر طاهر بن الحسين الجانب الشرقى (١).
واشتبكت قوات طاهر بن الحسين مع قوات الأمين فى معارك متعددة كان من نتيجتها تدمير حى الحربية بعد أن رمى بالنفط والنيران والمنجنيقات وأرسل طاهر إلى أهل الأرباض يطلب منهم التسليم ، فمن أجابه كف عنه ، ومن لم يجبه ودخل فى طاعته قاتله وأحرق منزله ، وظل يغدو ويروح بفرسانه وقواده ورجالته ، ويشن هجماته على بغداد ونواحيها حتى أوحشت مدينة المنصور ، وخاف الناس أن تبقى خرابا ، وأسمى طاهر الأرباض التى خالفه أهلها ومدينة أبى جعفر الشرقية وأسواق الكرخ والخلد وما والاها دار النكث ، وأستولى على كل أملاك من خالفه من بنى هاشم والقواد والموالى ، فذلوا وانكسروا وانقادوا ، واشتد القتال وضعف أنصار الأمين ، وتعرضت المدينة للسلب والنهب حيث واتت الفوضى التى حلت بالمدينة الفرصة للصوص وقطاع الطرق والرعاع وأهل السوقه لسلب الناس والاعتداء عليهم ، وهدم طاهر بعض قناطر بغداد ، وشن هجماته (٢) على الكرخ ، وحاصر بغداد ، وهاجم قصر أم جعفر وقصر الخلد ونصب المنجنيقات خلف سور بغداد ، وقذف المدينة ، وتفرق جنده فى السكك والطرق لا يلوى منهم أحد على أحد ، وتحصن محمد الأمين بالمدينة هو وأنصاره ، وشدد طاهر الحصار ، وفى سنة ١٩٨ ه وقع الأمين فى الأسر بعد أن حوصر فى قصر الخلد ، ولم يلبث أن قتل ، وتوقفت الحرب بعد أن تحولت بغداد
__________________
(١) الطبرى : تاريخ الأمم والملوك حوادث سنة ١٩٨ ه.
(٢) المصدر السابق ذكره حوادث سنة ١٩٨ ه.