وقريبا منه منازل لخاصته وأصحابه وحاشيته سميت بالمأمونية (١). كذلك توسع الناس فى البناء فى القسم الشرقى ، فبنوا فيه القصور المنيفة والمنازل المزخرفة ، اتخذوا الأسواق والمساجد والحمامات ، وأقطع المهدى رجاله مواضع بها ، وبنواحيها ، ونشأت فى الرصافة عدة محلات أهمها أبى حنيفة وبها مقبرة الإمام أبو حنيفة ومحلة باب الطاق ، والطاق قسما من أقسام قصر لإحدى بنات المنصور ، ثم صار فى زمن الرشيد مجمعا للشعراء ، وإلى جوار هذا الطاق سوق الصاغة ودار صاحب شرطة المهدى ، كذلك نشأت محلة دار الروم نسبة إلى أسرى الروم الذى أنزلوا فيها فى عهد الخليفة المهدى ، فشيدوا هناك ضيعة ودورا لهم.
وازدهرت محلة الشماسية فى عهد الرشيد لأن البرامكة اتخذوا قصورهم بها ، فشيد يحيى بن خالد قصره المعروف بقصر الطين بها ، كذلك اتخذوا ولديه جعفر والفضل قصرين هناك. وامتدت قطائع البرامكة من الشماسية حتى البردان (٢).
كذلك برزت محلات أخرى فى الرصافة نخص بالذكر منها سوق الثلاثاء ، وقد نشأت إلى جوار هذه المحلة محلتان على ضفاف دجله تسمى إحداهما محلة دار دينار الكبرى والأخرى دار دينار الصغرى نسبة إلى دينار بن عبد الله ـ من موالى الرشيد ـ وكان من أجل القواد فى زمن المأمون.
وصفوة القول أن بغداد صارت من أمهات المدن الإسلامية ، بل والعالمية فى العصر العباسى الأول ، ومركز العلم والثقافة ، وأهم مراكز النشاط التجارى فى العالم ، وكثرت ثروتها وازدهرت فى عهد الخليفة الرشيد ، وتجلى ذلك فى بلوغ العمران بها غايته وازدحام الناس بانحائها ، وتموجهم كالبحر فى أرجائها ، حتى قيل أن تعدادهم زاد على مليون ونصف نسمة (٣). وهذا العدد الهائل يدل على أنه ليس فى المدن أعين ولا أيسر من الموضع الذى يتكوفون فيه تكوف الرمال (٤).
__________________
(١) ابن الساعى : نساء الخلفاء ص ٧١.
(٢) اين الساعى : نساء الخلفاء ص ٧١.
(٣) المدور : حضارة الإسلام فى دار السلام ص ٩٣.
(٤) المدور : حضارة الإسلام فى دار السلام ص ٩٣.