خارجها إلى أنه خشى أن يضم الغرباء الذين يبيتون فى السوق جواسيس ، وجعل مدينته للشرطة والحرس وسائر السكان. وكان الكرخ ـ وهو السوق الذى اختاره المنصور ـ يقع ما بين الصراة ونهر عيسى ، ثم أمر ببناء مسجد فى السوق الجديد ، ولما كثر الناس ضاقت عليهم هذه الأسواق ، فبنوا أسواقا من أموالهم حتى اتسع الكرخ (١). ومع ذلك فقد أمر المنصور بأن يبقى فى كل ربض يقال واحد لبيع الأشياء اليومية التى لا غنى للناس عنها. وبمرور الزمن اتسعت بغداد حتى صار الكرخ فى وسطها (٢).
لم يكتف المنصور بتأسيس مدينة على الضفة الغربية لدجلة ، بل عول سنة ١٥١ ه ، على توسيعها ، وذلك بإقامة مدينة جديدة على الجانب الشرقى لدجلة ، وأقامها فعلا وسماها الرصافة ، وعمل لها سورا وخندقا ومسجدا جامعا وقصرا ، وأجرى لها الماء ، ويرجع السبب فيما شرع فيه المنصور أنه خشى من اجتماع جنده فى مكان واحد ، أقصد الضفة الغربية ، فرأى تفريقهم على جانبى دجلة ، فإذا ثار عليه جند الضفة الغربية ضربهم بجند الضفة الشرقية ، وأمر أبنه المهدى بالإقامة فى الرصافة مع عسكره ، وأقطع المنصور أخوته وقواده نواحى فى البلدة الجديدة ، وتنافس الناس فى النزول بالرصافة لمحبتهم المهدى ولاتساعة عليهم بالأموال والعطايا ، ولأن الرصافة كانت أوسع الجانبين أرضا. ذلك أن الناس قد سبقوا إلى الجانب الغربى ، ولم تلبث أن عمرت الرصافة بالأسواق ومنازل التجار والجند وسائر الناس (٣).
اتسع الجانب الشرقى من بغداد واستقرت فيه الأسر الغنية وأتباعها من الموالى والعبيد الذين يبلغ تعدادهم بضعة آلاف ، وشيدت فى الرصافة قصور فخمة أهمها قصر جعفر بن يحيى البرمكى ، وأتخذه للهو والطرب وكان القصر فى موقع حسن لإطاله على دجله وصار إلى المأمون منزل صيده وقنصه ، وبنى حوله
__________________
(١) ياقوت : معجم البلدان ج ٢ ص ٢٢٣.
(٢) اليعقوبى : البلدان ص ٢٣٦.
(٣) ياقوت : معجم البلدان ج ٤ ص ٢٥٤.