الناس فى خلق القرآن ، وبلغ من تقدير المأمون له أن أوصى المعتصم به بقوله : لا يفارقك الشركة فى المشورة فى كل أمرك فإنه موضع ذلك (١).
عول العرب على استرداد نفوذهم فى بغداد بعد وفاة المأمون وتولية المعتصم ، فالتفوا حول العباس بن المأمون معتزمين توليته الخلافة بدلا من المعتصم الذى يميل إلى الترك ، ولكن هذه المحاولة باءت الفشل ، وتولى المعتصم الخلافة (٢) ، وجرت على العرب نقمة المعتصم فى كراهيته ، وأهمل أمرهم ، واستعان بالترك فى أمور دولته ، ورفع شأنهم ، لكن العرب لم يرضخوا لما حل بهم من ضعف ووهن ، بل تآمروا على المعتصم ، وتزعم هذه الحركة العباس بن المأمون ، وحاول العرب تنفيذ هذه المؤامرة أثناء غزو الخليفة لعمورية ، وكان المعتصم قد أظهر انحيازا واضحا ضد العرب فحين وجه عجيف بن عنبسة إلى بلاد الروم ، لم يطلق يد هذا العربى فى النفقات كما أطلق يد الأفشين ، بل أستصفى المعتصم من شأن عجيف ، واستبان ذلك لعجيف ، فحرص العباس بن المأمون على التآمر ضد المعتصم ، والسعى بمساعدة العرب على التخلص من الخليفة وتولية العباسى ، وبينما المعتصم يتجه بجيشه إلى عموريه ، حاول العرب التنكيل ، بقادة الترك ، ولكن المؤامرة باءت بالفشل ، ونكل الخليفة بالمتآمرين ، ويقول المؤرخون إن ذلك أدى إلى إمعان المعتصم فى الاعتماد على الترك ، وأبعاد العرب ، وحذفهم من الديوان (٣) ، فضعفت فيهم الروح العسكرية.
إلا أننا نلاحظ أن هذا القول فيه بعض المبالغة ، إذ ظهرت شخصيات كبيرة فى عهده لعبت دورا كبيرا فى سياسة الدولة فأحمد بن أبى دؤاد ، ولاه المعتصم منصب قاضى القضاة فى الدولة ، وبلغ من تقدير المعتصم له أن قال : هذا والله الذى يتزين بمثله ، ويبتهج بقربة ، ويعتز به ألوف من جنسه ، ولما مرض نذر المعتصم إن شافاه الله من مرضه بأن يتصدق بعشرة آلاف دينار (٤). ولقد استغل
__________________
(١) الخطيب البغدادى : تاريخ بغداد ج ٤ ص ١٤٢.
(٢) ابن الأثير : الكامل فى التاريخ حوادث سنة ٢١٨ ه.
(٣) Muir : The caliphate.p.٤٥.
(٤) ابن خلكان : وفيات الأعيان ج ١ ص ٣١.