حدوث صراع بين الأخوين الأمين والمأمون انتهى بقتل الأمين.
وجاء انتصار المأمون على الأمين انتصارا للفرس على العرب ، فاستعاد الفرس نفوذهم ، بينما ضعف أمر العرب.
على أن العرب فى بغداد لم يستسلموا لما حل بهم من هزيمة على أيدى المأمون ورفاقه الفرس ، فقد ساءهم وعلى رأسهم أمراء البيت العباسى ازدياد نفوذ الفرس ، ووقوع المأمون تحت تأثيرهم ، فلما سمع العباسيون فى بغداد ما فعل المأمون من نقل الخلافة من البيت العباسى إلى البيت العلوى وتغيير لباس آبائه وأجداده من السواد إلى الخضره ، وأنكروا ذلك وخلعوا المأمون من الخلافة غضب من فعله ، وبايعوا عمه إبراهيم بن المهدى وكان فاضلا شاعرا فصيحا أدبيا حاذقا وقد عبر أحد وجوه العرب عن موقف المأمون المناهض العرب ـ ويدعى نعيم بن خازم ـ بقوله للفضل بن سهل ـ وزير المأمون الفارسى ـ إنك إنما تريد أن تزيل الملك من بنى العباس إلى ولد على ، ثم تحتال عليهم ، فتصير الملك كسرويا. ثم أقبل هذا الرجل على المأمون وحذره من عاقبة فعله بأن قال له : لا يخدعنك عن دينك وملكك فإن أهل خراسان لا يجيبون إلى بيعة رجل تقطر سيوفهم من دمه (١).
ومهما يكن من أمر فقد خشى المأمون من ثورة أهل بغداد ، فتخلص من وزير الفضل بن سهل ، وقصد بغداد سنة ٢٠٠ ه وكان العرب قد سيطروا عليها سيطرة كاملة فهرب عنها إبراهيم بن المهدى ، والفضل بن الربيع ، ودخل المأمون بغداد ، واسترد نفوذه عليها (٢). على أن الفرس ظلوا فى عهده يشغلون المناصب الكبيرة فى بغداد إلا أننا نلاحظ أن المأمون لم يغفل العرب نهائيا بل قرب إليه أحمد بن أبى دؤاد ، وكان ضليعا فى الفقه وعلم الكلام والمنطق ومن أبرز العلماء الذين ينعقد بهم مجالس المأمون العلمية ، وبتأثيره أمر المأمون بامتحان
__________________
(١) الجهشيارى : الوزراء والكتاب ص ٣٨٣.
(٢) ابن الأثير : الكامل فى التاريخ حوادث سنة ٢٠٠ ه.