على أن الجارية أو الأمة قد أتيحت لها الفرصة للانتقال إلى مرتبة أعلى من مرتبه الرق. فإذا أنجبت من سيدها سميت أم ولد وصارت فى وضع أرفع شأنا من وضع الامة ، فلا يجوز لسيدها أن يبيعها أو يهبها وإنما تبقى حلاله ، وإذا توفى سيدها ، صارت حرة ، ينطبق عليها أحكام الميراث ، والطفل الذى يولد من أمة يكون حرا.
انتشرت تجارة الرقيق فى بغداد ، فكان بها محلة تسمى دار الرقيق (١) وكان بالرصافة ـ الجانب الشرقى من بغداد ـ محلة دار الروم نسبة إلى سكانها الذين قدموا إليها فى عهد المهدى أسرى من بلاد الروم ، واشتهر كثير من تجار الرقيق فى بغداد من النخاسين ، وسبب شهرتهم كثرة ما كان يفد عليهم من الشعراء والأدباء لابتياع الجوارى الحسان ، وكان بالكرخ نخاس يسمى أبو عمير له جوار قيان لهن ظرف ، وكذلك أبو خطاب النخاس ، ومنهم حرب بن عمير ، وله جارية مغنية يفد إليها الشعراء وأهل الأدب فى بغداد للاستماع إليها (٢).
والنخاس ينادى لمن حوله من الراغبين ، ويصف لهم الجارية بعد الجارية بأحسن ما يكون من أوصاف الحسن والجمال. ومن بينهن جوار عليهن اللباس الفاخر ويتخذن العصائب المحلاة بالدر والجواهر ، وكان على تجار الرقيق عامل من قبل الحكومه يشرف على أعمالهم ، ويراقب تجارتهم ، يسمى قيم الرقيق.
قلنا إن الرقيق تنوعت أجناسه وألوانه ، وأحسن أنواع الرقيق ، النوع الأبيض ، وكان من الترك أو الصقالبة ، والصقالبة يفضلون على الترك ويقول الخوارزمى (٣) : ويستخدم التركى عند غيبة الصقلبى. وأكثر ما يجلب من بلاد البلغار ، وكانت سمرقند أكبر مراكز تجارة الرقيق الأبيض ، وخير رقيق بلاد ما وراء من تربيتها ، وكان أهلها يتخذون من تهذيب وتربية الرقيق صناعة يعيشون منها.
ولقد كان لكل نوع من أنواع الرقيق صفات خاصة ، فالهنديات عرفن بالطاعة
__________________
(١) الطبرى : تاريخ الأمم والملوك ج ٨ ص ٤٧.
(٢) الأصفهانى : الأغانى. ج ٤١ ص ١٩٩.
(٣) متز : الحضارة الإسلامية ج ١ ص ٢٢٧.