بغداد قصورا منيفة لهم بالشماسية فكان جعفر بن يحيى البرمكى يحب حياة اللهو لذا نصحه والده يحيى بن خالد بأن يتخذ لنفسه قصرا فى الرصافة يجمع فيه ندماءه وقيانه ، ويقضى معهم أوقات فراغه بيعدا عن الأعين ، لذلك شيد قصرا بالشماسية ، وأحاطه ببساتين ذات أرباض خصبة مربعة وفرش به من أنواع الأشجار ما يأتى بأطيب الثمار ، واتخذ لكل مقصورة فرش على مقدار أبنيتها ، «وكان هذا القصر من أحسن القصور وأبهاها وأحب المواقع إليه وأشهاها لا طلاله على نهر دجله» وكماله فى النظر واشتماله بالروض والشجر ، وزين هذا القصر بالرسوم والزخارف البديعة من الداخل والخارج ، وعليه صور من الجص المجسم (١) ، وقد حث يحيى بن خالد البرمكى ابنيه الفضل وجعفر على البناء فقال : لا شئ أبقى ذكرا من البناء ، فاتخذوا منه ما يبقى لكم ذكرا ، فشيد الفضل قصرا كذلك (٢).
ولقد اتصلت عمائر البرامكة فى حى لا يخالطهم فيه أحد فى الشماسية بالرصافة ، وبرز فيها قصر يحيى المعروف بقصر الطين ، الذى أنفق فى بنائه أموالا طائلة ، وحى البرامكة هذا كان قريبا من قرية البردان ، ولقد اشترى البرامكة الدور من أهل هذه القرية ، ووهبوها لمن يلوذ بهم من أهل العلم والأدب (٣).
ظل قصر جعفر بن يحيى ـ الذى سبقت الإشارة إليه ـ قائما حتى قتل الأمين وولى المأمون الخلافة. فأقام المأمون بمرو فى بداية خلافته وعهد إلى الحسن بن سهل بحكم العراق نيابة عنه ، ونزل فى القصر الجعفرى وأقام به ، ولما قدم المأمون من خراسان ، وأقام فى بغداد ، بقى الحسن بن سهل مقيما فى القصر المشار إليه وقام بتوسيعه وكتب أسم الحسن عليه وعرف بالقصر الحسنى بدلا من الجعفرى. على أن الحسن بن سهل خصص هذا القصر لابنته بوران بعد زواجها بالمأمون ، وأضاف إليه المأمون عددا من المبانى المجاورة (٤).
__________________
(١) الجهشيارى : الوزراء والكتاب ص ٢١٧.
(٢) ابن الساعى : نساء الخلفاء ص ٩٠ ـ ٧١.
(٣) المصدر السابق ذكره.
(٤) سيد أمير على : مختصر تاريخ العرب ص ٣٨٣ ـ ٣٨٤.