ويذكر ابن طيفور (١) أن الفضل والحسن ابنى سهل عنيا بالعمارة وكان لا ينزلان من المنازل إلا أطراف البلدان ، وقد أوضح الحسن السبب فى ذلك فقال ـ الأطراف منازل الأشراف ، ينتاولن ما يريدون بالقدرة ، ويتناولن ما يريدون بالحاجة.
عنى شعب بغداد بتشييد الدور الفخمة خصوصا أهل اليسار منهم وكانت تشتمل فى الغالب على طابقين ومبنية بالجص والآجر ، وتحاط بأسوار ، وأقاموا فيها أحواض ماء ، زرعوا حولها بعض الأشجار والزروع ، وأقاموا على الأحواض عمدا مزخرفة من الرخام ، معقودة بقباب من فوقها ، نقش عليها آيات قرآنية. أما العوام فكانت منازلهم بلا أسوار وتتكون فى الغالب من طابق واحد وتطل نوافذها على الشوارع مباشرة (٢).
أخذ العباسيون عن الفرس العمل على تخفيف حرارة الشمس صيفا فكانوا يغطون بيوتهم بطبقة من الطين. تجدد فى كل يوم ، يقضى أهل المنزل وقت الظهيرة فيه ويرصف حول البيت كميات كبيرة من القصب (٣).
كذلك يسر الخلفاء وصول المياه إلى القصور والدور فأنشأوا جداول فى بغداد تأخذ من دجله والفرات ، وكانت الرحاب والشوارع تكنس وترش بأحسن نظام ، ولم يكن يسمح قط بالقاء القاذورات على جانبى الشوارع والأزقة ، وكانت الشوارع تضاء بالمصابيح ليلا (٤).
حرص أهل بغداد على تزيين مجالسهم بالفرش الفاخرة والأثاث وكانوا يكسون حيطان بيوتهم بالدبياج ، ويعنون بفرش الأشجار والأزهار فى حدائق منازلهم ، ويحليون الرياحين من بلاد الهند.
والخلاصة أن مدينة بغداد عظم فيها العمران فى العصر العباسى الأول حتى أن ضفتى دجلة أقيمت فيها القصور الفخمة والحدائق والمنتزهات البديعة والأسواق العامرة والحمامات الجميلة والمساجد الفخمة.
__________________
(١) فضائل بغداد : ص ٧٢
(٢) الطبرى : تاريخ الأمم والملوك حوادث سنة ١٥٨ ه.
(٣) سيد أمير على : مختصر تاريخ العرب ص ٣٨٣.
(٤) سيد أمير على : مختصر تاريخ العرب ص ٣٨٣ ـ ٣٨٤.