ما رسمه ، فقد شاع شعر بشار بن برد فى عهد المهدى بما فيه من مجون وعبث وغزل مكشوف حتى ضج رجال بغداد من شعره ، وشكوا إلى المهدى لأنهم خافوا على نسائهم وبناتهم ، فتدخل المهدى ونهى بشار عن الغزل بالنساء (١).
وكان الهادى يستمع إلى الغناء ويجزل عليه العطاء (٢). أما الرشيد فقد شغف بمجالس الطرب والغناء ، ولم يجتمع على باب خليفة من العلماء والشعراء والفقهاء والقراء والقضاة والكتاب والندماء والمغنيين ما اجتمع على باب الرشيد ، وكان يصل كل واحد منهم بأجزل صلة ، ويرفعه إلا أعلى مرتبه ، وكان فاضلا شاعرا راوية للأخبار والآثار والأشعار (٢) وكثيرا ما يتلثم فيحضر مجالس العلماء وهو لا يعرف ، ولقد قسم الأيام والليالى قليلة للوزراء يذاكرهم أمور الناس ، ويشاورهم فى أمور الدولة الداخلية والخارجية ، وليلة الكتاب يتفقد أعمالهم ، ويرتب الناس ما ظهر من صلاح أحوال المسلمين وليلة للقواد أمراء الأجناد يذاكرهم أمر الأمصار ويسألهم عن الاخبار ، ويذاكرهم العلم ويدارسهم الفقه ـ وكان من أعلمهم ـ وليلة للقراء والعباد يتصفح وجوههم. ويتعظ برؤيتهم ، ويستمع لمواعظهم ، ويرفق قلبه لكلامهم ، وليلة لاهل بيته يأنس بهم وباشرهم ، وليلة يخلو فيها بنفسه لا يعلم أحد قرب أو بعد ما يصنع ، ولا يشك أحد أنه يخلو فيها بربه يسأله خلاص نفسه وفكاك رقه (٣).
وجعل الرشيد للمغنين مراتب وطبقات ، فكان إبراهيم الموصلى وابن جامع وزلزل فى الطبقة الأولى ، والطبقة الثانية سليم بن سلام وعمرو الغزال ، والطبقة الثالثة أصحاب المعازف والطنايبر وعلى قدر ذلك كانت تخرج جوائزهم وصلاتهم ، وإذا أجاد أحد المغنين والموسيقيين الأداء أمر الخليفة بترقيته إلى المرتبة التى تعلو مرتبته فرقى الرشيد برصوما الزامر من الطبقة الثانية إلى الطبقة الأولى بعد أن أطرب الرشيد (٤).
__________________
(١) أحمد أمين : ضحى الإسلام ج ١ ص ١١١.
(٢) الجاحظ : التاج ص ٣٥.
(٢) الجاحظ : التاج ص ٣٥.
(٣) ابن قتيبة : الإمامة والسياسة ج ١ ص ٢٩٧.
(٤) الجاحظ : التاج ص ٤١.