ومن أبرز ندماء الرشيد الشاعر أبو العتاهيه ، كان لا يفارق الرشيد فى سفر ولا حضر ، إلا فى طريق الحج ، وكان يجرى عليه فى كل سنة خمسين ألف درهم سوى الجوائز والصلات ، وقد أعجب بشعره اللطيف المعانى السهل الألفاظ ، القليل التكلف ، وكثر شعره فى الزهد والأمثال (١).
ولا أوافق الأستاذ أحمد أمين فيما ذهب إليه (٢) من أن أزدياد ونفوذ الفرس فى عهد الرشيد ، وما عرف عنهم من ميل إلى اللهو والسرور ، نشروا مع نفوذهم حياة الأكاسرة وما كان فيها من حضارة ولهو وعبث ، لأن الغناء كان منتشرا قبل عهد الرشيد فى بغداد ، وفى دمشق إبان الحكم الأموى (٣) ، حقيقة بلغ الترف والنعيم فى بغداد فى عهد الرشيد أقصاه ، إلا أن الفضل فى ذلك يرجع إلى ما بلغته الدولة العباسية من سعة وغنى واستقرار ، ومساهمة عناصر السكان على اختلاف أجناسهم فى ازدهار الحياة العامه (٤).
وكان الأمين لا يحتجب عن الندماء ، ويجزل عليهم العطايا ، ويقضى أجل أوقاته فى الاستمتاع بضروب اللهو ، وعلى الرغم من أن أخباره وضع أكثرها فى عهد المأمون للإساءة إليه ، والحط من قدره ، فإننا لا نستطيع أن ننكر ميله إلى اللهو ، يؤيد ذلك ما ذكره الطبرى (٥) من أن الأمين لما ولى الخلافة وجه إلى جميع البلدان فى طلب الملهين ، وضمهم إليه ، وأجرى لهم الأرزاق ، كما أمر ببناء مجالس لمنتزهاته ، ومواضع لهوه وخلوته بقصر الخلد وقصور اللهو ، واقتنى الوحوش والسباع والطيور وأنفق أموالا طائلة فى بناء سفن على شكل بعض الحيوانات ، كالأسد والفيل والعقاب وغير ذلك ، وقسم ما فى بيوت الأموال من الجوهر على جلسائه ومحدثيه (٦).
__________________
(١) الأصفهانى : الأغانى ج ١٠ ص ٦٣.
(٢) ضحى الإسلام ج ١ ص ١١١.
(٣) انظر : الإدارة المركزية للدولة الأموية ١٢٥.
(٤) Gohn Glubb : The Empire of the Arabs p.٩٧٢.
(٥) تاريخ الأمم والملوك حوادث سنة ١٩٨ ه.
(٦) ابن طباطبا : الفخرى فى الآداب السلطانية ص ٨.