الألحان عرضه على إسحق فيصلحه ، وقال إسحاق : ما وصلنى أحد بمثل ما وصلنى به الواثق (١) ، وبلغ من تقدير الواثق لإسحاق أنه قال : ما عنانى إسحاق قط إلا ظننت أنه قد زيد فى ملكى (٢) وكان الواثق أعلم الخلفاء بالغناء ، وصنع مائة لحن ، وهو أحذق من غنى بضرب العود (٣).
ومما لا شك فيه أن إسحاق الموصلى لم يبلغ ما بلغه من إتقان للغناء إلا بفضل دراسته لهذا الفن دراسة واعية فقد تتلمذ على أبيه ، وعلى منصور زلزل ـ المغنى المشهور ـ واتفق على تعليمه مائة ألف درهم (٤). ونبغ فى الغناء ـ كما ذكرنا ـ ، ومجالس المنادمة فكان «لا يمل جليسه مجلسه ، ولا تمج الآذان حديثه ، إن حدثك الهاك وإن ناظرك أفادك ، وإن غناك أطربك».
تتلمذ فى مدرسة إبراهيم وإسحاق الموصلى الموسيقية كثير من هواة الغناء ، نخص بالذكر منهم علويه ، كان مغنيا حاذقا صانعا متقنا ، برع فى الغناء ، وغنى للأمين ، وعرفت ألحانه بالجودة وحسن السبك (٥).
وكذلك نبغ محمد الرف ، وكان إسحاق الموصلى يرفع من قدره ويبرزه فى مجالس الخلفاء (٦).
كذلك حرص كبار رجال الدولة على عقد الغناء ، وتقريب المغنين لهم أسوة بالخلفاء ، فكان جعفر بن يحيى البرمكى ـ وزير الرشيد ـ له ظرف وأدب غناء وضرب بالطبل ، وكان يأخذ بأجزال حظ من كل فن من الأدب ، ويأمر الجوارى بالمثول بين يديه فى الغناء ، ويغنى فى مجالس لهوه وطربه (٧) ، وجعفر من ندماء
__________________
(١) المصدر السابق ج ٩ ص ٢٨٢.
(٢) المصدر السابق ج ٥ ص ٢٨١.
(٣) المصدر السابق ج ٩ ص ٢٩٣.
(٤) المصدر السابق ج ٥ ص ٢٦٩.
(٥) الأصفهانى : الأغانى ج ١٤ ص ١٧٨.
(٦) ابن خرداذية : مختارات من كتاب اللهو والملاهى ص ٥٥.
(٧) الأصفهانى : الأغانى ج ٥ ص ٤٠٧.