الرشيد ، وكان أبوه ينهاه عن منادمته ، ويأمره بترك الأنس به ، لأنه كان لا يأمن أن ترجع العاقبة عليه منه (١).
بلغ الشغف بالغناء فى بغداد حدا جعل العمل به لا يقتصر على عامة الناس بل تجاوزه إلى أمراء البيت العباسى ، وكان أولهم وأتقنهم صنعة فى الغناء إبراهيم ابن المهدى ، فإنه كان لا يستتر منه ، وفى أول أمره كان يغنى من وراء ستار إلا إذا جلس مع الرشيد والأمين من بعده فى خلوه ، ولما أمنه المأمون ظهر بالغناء ، وكان من أعلم الناس بالنغم والوتر والإيقاعات وأطبعهم بالغناء وأحسنهم صوتا ، وهو من المعدودين فى طيب الصوت خاصة ، وأصبح الناس ينقسمون فى الغناء طائفتين ، فمن كان منهم على مذهب إسحاق وأصحابه يفضل الغناء القديم ويعظم الإقدام عليه (٢) ومن اعتز بمذهب إبراهيم بن المهدى مثل مخارق إنما يغنى الغناء الجديد (٣). وكان أديبا شاعرا راوية للشعر وأيام العرب فصيحا ، فكان يغنى طربا لا تكسبا ويغنى لنفسه لا للناس. وقد شغف به الناس فى بغداد حتى قال بعضهم : لم ير فى جاهلية ولا إسلام أحسن غناءا من إبراهيم بن المهدى (٤) وكان يحتفظ بدفاتر الغناء (٥) وتجلت مقدرة إبراهيم فى مجالس الخلفاء ، ففى مجلس المأمون والمعتصم يغنى المغنون ، ويغنى هو ، فإذا ابتدأ لم يبق من الغلمان وخدم القصر وأصحاب الصناعات والمهن الصغار والكبار أحد إلا ترك ما فى يده ، وقرب من أقرب موضع يمكنه أن يسمعه فلا يزال مصغيا إليه لاهيا عما كان فيه ما دام يغنى حتى إذا أمسك وتغنى غيره رجعوا إلى التشاغل بما كانوا فيه (٦).
وكان صالح بن الرشيد يحتفظ بدفاتر للغناء ، وبطرحها على جواريه وغلمانه
__________________
(١) الطبرى : تاريخ الأمم والملوك حوادث سنة ١٩٢ ه.
(٢) الأصفهانى : الأغانى ج ١٠ ص ١١١.
(٣) الأصفهانى : الأغانى ج ٦ ص ١٧٥.
(٤) المصدر السابق ج ١١ ص ١٢٦.
(٥) المصدر السابق ج ١١ ص ١٤٠.
(٦) المصدر السابق ج ١١ ص ١٦٢.