العنانين في عنق الجواد ، فإذا بلغ الله بالأمر أمده (١) ، ورجاء الوقت المحتوم ، كانت الدولة كالإناء المكفوّ فعندها أوصيكم بتقوى الله الذي لم يتّقه غيركم فيكم ، فجعل العافية لكم والعاقبة للمتقين.
أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي ، أنا الحسن بن علي ، أنا أبو عمر بن حيوية ، أنا أحمد بن معروف ، نا الحسين بن فهم ، نا ابن سعد ، أنا علي بن محمّد ، عن محمّد بن الحكم ، عن من حدّثه.
إن معاوية لما احتضر أوصى بنصف ماله أن يردّ إلى بيت المال ، كأنه أراد أن يطيب له لأن عمر بن الخطاب قاسم عمّاله (٢).
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا أبو بكر بن الطبري ، أنا أبو الحسين بن بشران ، أنا أبو علي بن صفوان ، نا ابن أبي الدنيا ، حدّثني إبراهيم بن راشد أبو إسحاق ، نا أبو ربيعة ، نا أبو عبيدة يوسف بن عبدة ، عن ثابت قال :
لما كبر معاوية خرجت به قرحة في ظهره فكان إذا لبس دثارا ثقيلا ـ والشام أرض باردة ـ أثقله ذلك وغمّه ، فقال : اصنعوا لي دثارا خفيفا دفيئا من هذه السخال ، فصنع له ، فلما ألقي عليه تسارّ (٣) إليه ساعة ثم غمّه فقال : جافوه عني ، ثم لبسه ثم غمّه ، فألقاه ، ففعل ذلك مرارا ، ثم قال : قبحك الله من دار ، ملكتك أربعين سنة ، عشرين خليفة وعشرين إمارة ، ثم صيّرتني إلى ما أرى ، قبحك الله من دار.
قال : ونا ابن أبي الدنيا ، نا محمّد بن الحسين ، نا عبيد الله بن محمّد التيمي ، نا يوسف ابن عبدة قال : سمعت محمّد بن سيرين يقول :
أخذت معاوية قرّة (٤) ، فاتخذ لحفا خفافا ، فكانت تلقى عليه ، فلا يلبث أن يتأذى بها ، فإذا أخذت عنه سأل أن تردّ عليه ، فقال : قبّحك الله من دار ، مكثت فيك عشرين سنة أميرا ، وعشرين سنة خليفة ، ثم صرت إلى ما أرى.
__________________
(١) في الجليس الصالح : مداه.
(٢) من طريق محمد بن سعد رواه ابن كثير في البداية والنهاية ٨ / ١٥١ وأنساب الأشراف ٥ / ٣٥.
(٣) بدون إعجام بالأصل ، والمثبت والضبط عن «ز» ، وفي المختصر : سار.
(٤) القرة بالكسر ، ما أصابك من القر ، وهو البرد.