ولا نعقل ما ذكره الخصم وأصحابه أنّ الفعل الواحد الشخصي يكون حسنا بالنسبة إلى فاعله المؤثّر فيه ، قبيحا بالنسبة إلى محلّه الذي لا أثر فيه أصلا.
كما إنّه لا معنى لجعل المعصية صادرة من العبد مخلوقة لله تعالى ، فإنّه أشبه باللغو ، إذ كيف يمكن إثبات صدورها ممّن لم يوجدها ونفي صدورها عن خالقها وموجدها؟! وهل معنى للخلق إلّا الصدور والإيجاد؟!
هذا ، ويمكن أن يريد المصنّف بهذا الوجه الإشكال على دعوى القاضي صدور وصف المعصية من العبد ، لا الإشكال على دعواه صدور أصل الفعل من الله تعالى كما بيّنّا.
فيكون معنى كلامه : إنّ أصل الفعل إذا كان صادرا عن الله سبحانه كما زعمه القاضي ، بطل قوله بصدور وصف المعصية عن العبد ؛ لأنّ فعل الله تعالى لا يوصف بالقبيح ، فلا يوصف بالمعصية ، ويلزمه انتفاء المعصية عن العبد ، كما يلزمه أن لا يحسن من الله سبحانه ذمّ إبليس وسائر العصاة ، والحال أنّ الله تعالى قد ذمّهم.
وأمّا قوله : « يكون مراد القائل : إنّ هناك شيء ينسب إليه ... » إلى آخره ..
ففيه : إنّه إذا لم يطّلع على كلمات القائل ومحلّه من العلم ، فكيف حكم بأنّ هذا مراده؟!
على أنّ الشيء المجهول الذي أثبته إن كان للعبد تأثير فيه ، بطل مذهبهم ، وإلّا بطل التكليف والبعثة والعقاب!