عليه ، ولا حكم للعقل بامتناعها ، ولا دلالة سمعية عليه أيضا.
وقال أكثر المعتزلة : تمتنع الكبيرة وإن تاب عنها ؛ لأنّه ـ أي صدور الكبيرة ـ يوجب النفرة ، وهي تمنع عن اتّباعه فتفوت مصلحة البعثة ، ومنهم من منع عمّا ينفّر مطلقا ، أي سواء لم يكن ذنبا [ لهم ، أو كان ] (١) كعهر الأمهات والفجور في الآباء ودناءتهم واسترذالهم » (٢).
فإنّ هذا الكلام دالّ على اختصاص بعض المعتزلة بمنع المنفّرات المذكورة ، فيكون الأشاعرة وبعض المعتزلة مجوّزين لها.
فتحقّق أنّ ما نسبه المصنّف إليهم حقّ وصدق ، وأنّ القوم أولى بحبّ إشاعة الفاحشة في الّذين آمنوا ؛ لأنّهم أجازوا أن يكون النبيّ كما وصفه المصنّف رحمه الله تعالى ، بل نسبوا إليهم فواحش الأعمال وأشاعوها في كتبهم على ممرّ الأيام ، كرقص النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بأكمامه ، وحضوره مجالس المغنّين والمغنّيات ، وضرب الدفوف (٣) ، وقوله في مدح الأصنام : تلك الغرانيق العلا (٤) .. إلى غير ذلك من المخزيات.
وأمّا المصنّف قدسسره فلم يقصد بذكر تلك الأوصاف الشنيعة إلّا الإنكار على القوم واستفظاع آرائهم ، ليرتدع من له قلب ، وناقل الكفر ليس بكافر ، فإساءة الأدب مع الأنبياء إنّما هي ممّن يجوّز فيهم أن يكونوا على تلك الفضائح ، لا ممّن يريد الردع عنه والإنكار عليه!
لكن الخصم لعجزه وحيرته يلوذ بهذه التهمة للمصنّف ، ويشهد
__________________
(١) أثبتناه من شرح المواقف.
(٢) شرح الأصول الخمسة : ٥٧٣ ، المواقف : ٣٥٩ ، شرح المواقف ٨ / ٢٦٥.
(٣) انظر الصفحتين ٧٤ و ٧٥ من هذا الجزء.
(٤) انظر الصفحة ١٨ من هذا الجزء.