فإنّ هذا وحده لا يكفي في نيابة الرسول ، ولا سيّما إذا رأى الأمير ارتفاع ملكه ونفوذ أمره بسحق الدين وقتل المؤمنين وإخافتهم وتقريب الطالحين ، كما وقع في العصر الأوّل ، وعلى نحوه توالت العصور.
ومنه يعلم أنّ فرض كون المفضول في العلم والعمل أحفظ للحوزة خطأ ؛ لأنّ المطلوب هو الأحفظية على الوجه الشرعي ، وهي فرع الأعلمية والأعملية بوجوه الحفظ الشرعية.
هذا ، والأولى أن لا يذكر الفضل شرط أن لا يكون فظّا غليظا ، ولا شرط أن لا يكون سهلا ضعيفا يستولي عليه الرعية ، فإنّ الأوّل مضرّ بإمامة عمر (١) ، والثاني بإمامة عثمان (٢).
وبما ذكرنا من وجوب كون الإمام فاضلا في جميع صفات الكمال ، يعلم أنّه لا يصحّ فرض كونه فاضلا في صفة دون أخرى حتّى تتصوّر المعارضة ويقال بتقديم صاحب الصفة التي هي أمسّ بالإمامة ، كما فعل الفضل.
__________________
(١) فإنّه كان يوصف بأنّه فظّ ، غليظ شديد الغلظة ، وعر الجانب ، خشن الملمس ، دائم العبوس ، سريع إلى المساءة ، كثير الجبه والشتم والسبّ ، وكان الناس يقولون لأبي بكر : ماذا تقول لربّك إذا لقيته وقد ولّيت علينا فظّا غليظا؟!
انظر : تاريخ المدينة المنوّرة ـ لابن شبّة ـ ٢ / ٦٧١ ، غياث الأمم : ١٢٥ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٢٧٢ ـ ٢٧٣ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١ / ١٦٤.
(٢) كان عثمان في أيّامه الأخيرة كثيرا ما يعطي العهود والمواثيق من نفسه ويعلن توبته ، ولكنّ مروان وغيره من بني أميّة يحيدونه عن رأيه وينقاد حسب هواهم .. وقد روي أنّ زوجته نائلة بنت الفرافصة قالت له : قد أطعت مروان يقودك حيث شاء!
انظر : أنساب الأشراف ٦ / ١٨٠ ـ ١٨١ ، تاريخ الطبري ٢ / ٦٥٩.