الرسالة في وقتها ، اللهمّ إلّا أن يريدا العصمة حين الرسالة عن الكذب في دعوى عدمها ، فله وجه لكنّه خلاف ظاهر كلامهما.
الجهة الثالثة : إنّ دعوى أنّ المعجزة تدلّ عقلا على عصمتهم عن الكذب في ما يبلّغونه عن الله تعالى ممنوعة على مذهبهم ، إذ يجوز عقلا بناء على قولهم : « لا يجب على الله شيء ، ولا يقبح منه شيء » (١) ، أن يرسل رسولا بالافتراء عليه ، مضافا إلى أنّه يمكن عقلا أن يظهر الله المعجزة على يد الكاذب في دعوى الرسالة ، فلا محالية عقلا في إبطال دلالة المعجزة على الرسالة.
ودعوى القطع العادي (٢) بعدم ظهورها على يد الكاذب ، وبعدم إرسال رسول بالافتراء على الله تعالى ، غير نافعة ؛ لأنّ الكلام في تجويز العقل!
على أنّك عرفت أنّ هذه العادة غيب لا يمكن العلم بها ، إذ لعلّ كلّ من أظهر المعجزة كاذب في دعوى الرسالة ، أو أنّه مرسل بالافتراء ، فما لم نقل بأنّ ذلك قبيح على الله تعالى لم يمكن القطع بنبوّة صاحب المعجزة وبعدم كونه مرسلا بالافتراء.
واعلم أنّه قد وقع الخلاف بين الأشاعرة في جواز الكذب سهوا على الأنبياء في دعوى الرسالة والتبليغ.
فجوّزه القاضي أبو بكر ، الذي هو من أعاظم الأشاعرة (٣) ، كما
__________________
(١) اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع : ١١٦ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٩٥ ، المواقف : ٣٢٨ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٩٤ ، شرح المواقف ٨ / ١٩٥.
(٢) أي قولهم : « جرت عادة الله ... ».
(٣) انظر : التقريب والإرشاد ١ / ٤٣٨.