موسى ، والقصاص حقّ ثابت في القرآن والتوراة ، بل لم يعاقبه أصلا ، وأكرمه حيث خيّره بين الموت والحياة؟! فهل عند الله هوادة ، أو يختلف حكمه في بريّته؟!
هذا ، وقد حمل بعضهم الحديث على المدافعة عن نفسه ، بدعوى أنّ الملك تصوّر له بصورة إنسان معتد عليه يريد إهلاكه ، فلا معصية منه! (١) ..
وفيه : إنّه لا يلائم ما في تمام الحديث : فقال : « أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت وقد فقأ عيني » (٢) ، فإنّه يدلّ على شكايته منه والتعريض بذمّه بعدم إرادته للموت ، وهو لا يصحّ إذا كان مدافعا عن نفسه ؛ لوجوب المدافعة وإن أحبّ الموت.
على أنّه لا وجه لتصوّر ملك الموت بصورة معتد ، فإنّه من الحمق والجهل.
ودعوى الامتحان لا وجه لها (٣) ؛ لأنّه إن أريد الامتحان في حبّه للموت فهو لا يناسب تصوّره بصورة من تجب مدافعته ، وإن أريد الامتحان في مخالفة الواجب من المدافعة فهو لا يجامع القول بعصمته ، بل لا معنى لهذا الامتحان ؛ لأنّ كلّ إنسان يدافع بمقتضى طبعه عن نفسه حيث يمكن ، وإن لم تجب عليه المدافعة ، على أنّه لا يلائم التعبير بكراهة الموت إلى تمام الحديث ..
ويدلّ على معرفة موسى بملك الموت ، فلا يصحّ الحمل المذكور ،
__________________
(١) انظر : فتح الباري ٦ / ٥٤٦ ، إرشاد الساري ٧ / ٣٩٦.
(٢) تقدّم تخريج الحديث عن صحاح القوم ، فراجع الصفحة ٨٨ ه ٢.
(٣) فتح الباري ٦ / ٥٤٦ ـ ٥٤٧.