الفصل السابع
في سرد خصائصها
وهي كثيرة لا تكاد تنحصر ، وها أنا ذاكر ما حضرني منها الآن وإن شاركتها مكة في بعضه ، فأقول وبالله التوفيق :
الخاصة الأولى : ما تقدمت الإشارة إليه من كونه صلىاللهعليهوسلم خلق من طينتها ، وكذا أبو بكر وعمر رضياللهعنهما وأكثر الصحابة والسلف ممن دفن بها وروى أن الله تعالى بعث جبريل وميكائيل ليقبضا قبضة من الأرض بقدميه ، فصار بعض الأرض بين قدميه وبعض الأرض موضع أقدامه ، فخلقت النفس مما مس قدم إبليس ؛ فصارت مأوى الشر ، ومن التربة التي لم يصل إليها قدم إبليس أصل الأنبياء والأولياء.
قال في العوارف : وكانت درة رسول الله صلىاللهعليهوسلم موضع نظر الله تعالى من قبضة عزرائيل لم يمسها قدم إبليس.
وقيل : لما خاطب الله السموات والأرض بقوله : (ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) [فصلت : ١١] الآية أجاب من الأرض موضع الكعبة ومن السماء ما يحاذيها.
وعن ابن عباس : أصل طينة النبي صلىاللهعليهوسلم من سرة الأرض بمكة ، يعني الكعبة ، وهو مشعر بأن ما أجاب من الأرض درته صلىاللهعليهوسلم ومن الكعبة دحيت الأرض ؛ فصار صلىاللهعليهوسلم هو الأصل في التكوين.
قال في العوارف عقبه : وتربة الشخص مدفنه ، فكان مقتضى ذلك أن يكون مدفنه هناك ، لكن قيل : لما تموج الماء رمى الزبد إلى النواحي ، فوقعت جوهرة النبي صلىاللهعليهوسلم إلى ما يحاذي تربته الشريفة بالمدينة ، فكان مكيا مدنيا.
قلت : فلمكة الفضل بالبداية ، وللمدينة بالاستقرار والنهاية.
الثانية : اشتمالها على البقعة التي انعقد الإجماع على تفضيلها على سائر البقاع ، كما تقدم تحقيقه.
الثالثة : دفن أفضل الأمة بها والكثير من الصحابة الذين هم خير القرون.
الرابعة : أنها محفوفة بأفضل الشهداء الذين بذلوا نفوسهم في ذات الله بين يدي نبيه صلىاللهعليهوسلم ؛ فكان شهيدا عليهم.
ونقل عياض في المدارك وابن الجوزي في منسكه أن مالكا كان يقول في فضل المدينة : هي دار الهجرة والسنة ، وهي محفوفة بالشهداء ، وبها خيار الناس بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم.