وهذا الحكم ينطبق على كل جملتين لا تكون بينهما مناسبة ما كقولك : «السماء ممطرة عليّ يغدو إلى عمله مبكرا» ، وكقول الشاعر :
وإنما المرء بأصغريه |
|
كل امرىء رهن بما لديه (١) |
فبين الجملة الثانية هنا والجملة الأولى تمام التباين ومنتهى الابتعاد ، لأنه لا مناسبة بينهما مطلقا ، إذ لا رابطة في المعنى بين قوله : «وإنما المرء بأصغريه» وقوله : «كل امرىء رهن بما لديه» ففي جميع هذه الأمثلة والأمثلة التي تختلف فيها الجملتان خبرا وإنشاء نجد الجملة الثانية مفصولة عن الجملة الأولى ، ولا سر لذلك إلا كمال التباين وشدة التباعد ، ولذلك يقال في هذا الموضع من مواضع الفصل إن بين الجملتين «كمال الانقطاع».
* * *
٣ ـ والموضع الثالث من المواضع التي يجب فيها الفصل بين الجملتين هو أن تكون الجملة الثانية جوابا عن سؤال يفهم من الأولى ، ويقال حينئذ إن بين الجملتين «شبه كمال الاتصال».
ومن أمثلة ذلك قوله تعالى : (وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ)(٢) ، ففي هذه الآية الكريمة فصلت جملة (قالُوا لا تَخَفْ) عن جملة (وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً) لأن بينهما شبه كمال الاتصال ، إذ الثانية جواب لسؤال يفهم من الأولى ، كأن سائلا سأل : فماذا قالوا له حين رأوه قد أحس منهم خوفا؟ فأجيب «قالوا لا تخف».
ومن أمثلة هذا النوع من الفصل أيضا قول الشاعر :
يقولون إني أحمل الضيم عندهم |
|
أعوذ بربي أن يضام نظيري (٣) |
__________________
(١) الأصغران : القلب واللسان ، ورهن بما لديه : يجازى بما عمل.
(٢) أوجس منهم خيفة : أحس منهم خوفا.
(٣) الضيم : الذل ، وضامه يضيمه بفتح ياء المضارعة : أذله يذله.