وربّما أضرب المسؤول عن مثل هذا فلم يأت بالجواب على اللفظ وعدل إلى المعنى كقول الشاعر :
وقال القائلون : لمن حفرتم؟ |
|
فقال المخبرون لهم : وزير (١) |
فرفع وكان سبيله أن يقول : لوزير ، ولكنّه حمل الكلام على المعنى فكأنّه قال : المحفور له وزير. قال يونس بن حبيب (٢) : ومثله قول الله عزّ وجلّ : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ : ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ؟ قالُوا : أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ.)(٣) لأنهم لم يقرّوا أنّ الله أنزله ، فعدلوا عن الجواب عنه فقالوا : أساطير الأولين ، تقديره : هذه أساطير الأوّلين. ألا ترى أنّ المقرّين نصبوا الجواب فقالوا : (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا : ما ذا
__________________
(١) في الجامع لأحكام القرآن أن من الحذف الذي يدلّ ظاهر الكلام عليه قول الشاعر :
وأعلم أنني سأكون رمسا |
|
إذا سار النواعج لا يسير |
فقال السائلون لمن حفرتم |
|
فقال القائلون لهم وزير |
قال : المعنى : المحفور لهم وزير ، فحذف لدلالة ظاهر الكلام عليه ، وهذا كثير.
والنواعج من الإبل السريعة.». الجامع لأحكام القرآن ١ : ١٣٦.
(٢) كان يونس عالما بالعربية ، أخذ عنه سيبويه والكسائي ، وروى عنه سيبويه في الكتاب. ومات سنة ١٨٢ ه وترجمته مفصلة في مراتب النحويين : ٢١ وطبقات الزبيدي : ٤٨ ومعجم الأدباء ٧ : ٣١٠ وأعلام العرب (العدد : ٧٥) للدكتور حسين نصار.
(٣) سورة النحل ١٦ : ٢٤ واستشهد سيبويه بهذه الآية في (باب إجرائهم ذا وحده بمنزلة الذي ... وإجرائهم إياه مع ما بمنزلة اسم واحد.) الكتاب : ١ : ٤٠٥.