وذلك قولك : «قتلته صبرا» و «لقيته فجاءة ومفاجاة» و «كفاحا ومكافحة» و «لقيته عيانا» و «كلّمته مشافهة» و «أتيته ركضا وعدوا ومشيا» و «أخذت عنه سمعا وسماعا» قال سيبويه : وليس كلّ مصدر مثل ما مضى من هذا الباب يوضع هذا الموضع لأنّ المصدر هنا في موضع فاعل (١) إذا كان حالا.
ألا ترى أنه لا يحسن أتانا سرعة ولا أتانا رجلة ، ومثل ذلك قول الشاعر زهير بن أبي سلمى :
فلأيا بلأي ما حملنا وليدنا |
على ظهر محبوك ظماء مفاصله (٢) |
كأنّه يقول : حملنا وليدنا لأيا بلأي ، أو كأنّه يقول : حملناه جهدا بعد جهد ، ومثله قول الرّاجز وهو نقادة الأسدي :
«ومنهل وردته التقاطا (٣)
أي فجاءة. ١٨ ـ المصادر تكون في موضع الحال :
يقول سيبويه ممثلا عليه : وذلك قولك «أمّا سمنا فسمين» و «أمّا علما فعالم» انتصب «سمنا» و «علما» على أنّ كلا منهما مصدر نصب على الحال وقال الخليل رحمهالله : أنّه بمنزلة قولك : «أنت الرجل علما ودينا» و «أنت الرّجل فهما وأدبا» أي أنت الرجل في هذه الحال ، ولم يحسن في هذا الوجه الألف واللّام ، ومن ذلك قولك : «أمّا علما فلا علم له» و «أمّا علما فلا علم عنده» و «أمّا علما فلا علم» وتضمر «له» لأنّك إنما تعني رجلا.
١٩ ـ كلمات في جملة لا تقع إلّا حالا :
وذلك قولك : «ما شأنك قائما» و «ما شأن زيد مسرعا» و «ما لأخيك مسافرا» ومثله : «هذا عبد الله قارئا» انتصب قائما ، ومسرعا ، ومسافرا على الحال ، وانتصب بقولك : ما شأنك كما انتصب قائما في قولك : «هذا عبد الله قائما» بما قبله ، ومثله قوله سبحانه : (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ)(٤) ، ومثل ذلك : «من ذا قائما بالباب» فقائما حال ، أي من ذا
__________________
(١) مذهب سيبويه في أتيت زيدا مشيا وركضا وعدوا وما ذكره معه أن المصدر في موضع الحال كأنه قال : ماشيا وراكضا وعاديا. وكذلك صبرا ، أي قتلته مصبورا ، ولقيته مفاجئا ومكافحا ومعاتبا ، وكلمته مشافها. وأخذت ذلك عنه سماعا وليس ذلك بقياس مطرّد ، وكان أبو العباس المبرد : يجيز هذا في كل شيء دلّ عليه الفعل نحو «أتانا سرعة» و «أتانا رجلة».
(٢) الّلاي : البطء ، والمحبوك : الشديد الخلق ، والظّماء هنا : القليلة اللحم.
(٣) المنهل : المورد ، التقاطا ؛ مفاجئا له ، والمعنى لم اقصد قصده لأنّه في فلاة مجهولة.
(٤) الآية «٤٩» من سورة المدثر «٧٤».