تفاقد قومي إذ يبيعون مهجتي |
بجارية بهرا لهم بعدها بهرا (١) |
أي تبّا.
وقال عمر بن أبي ربيعة :
ثم قالوا تحبّها قلت بهرا |
عدد النّجم والحصى والتراب (٢) |
كأنه قال : جهدا ، أي جهدي ذلك.
وإنما ينتصب هذا وما أشبهه إذا ذكر مذكور فدعوت له أو عليه على إضمار الفعل كأنّك قلت : سقاك الله سقيا ، ورعاك الله رعيا ، وخيّبك الله خيبة ، فكلّ هذا وأشباهه على هذا ينتصب. وقد رفع بعض الشّعراء بعض هذا فجعلوه مبتدأ ، وجعلوا ما بعده خبرا ، من ذلك قول الشّاعر :
عذيرك من مولى إذا نمت لم ينم |
يقول الخنا أو تعتريك زنابره |
فلم يجعل الكلام على اعذرني ، ولكنّه قال : إنما عذرك إيّاي من مولى هذا أمره.
(٢) ما ينتصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره من المصادر غير الدّعاء : ومن ذلك قولك : حمدا ، وشكرا لا كفرا وعجبا ، وافعل ذلك وكرامة ، ومسرّة ، ونعمة عين ، وحبّا ، ونعام عين.
ولا أفعل ذلك لا كيدا ولا همّا ، ولأفعلنّ ذلك ورغما وهوانا ، فإنّما ينتصب هذا على إضمار الفعل ، كأنّك قلت : أحمد الله حمدا ، وأشكر الله ، وكأنك قلت : أعجب عجبا ، وأكرمك كرامة ، وأسرّك مسرّة ، ولا أكاد كيدا ، ولا أهم همّا ، وأرغمك رغما.
وإنّما اختزل الفعل ههنا لأنّهم جعلوا هذا بدلا من اللفظ بالفعل ، كما فعلوا ذلك في باب الدّعاء ، كأنّ قولك : حمدا في موضع أحمد الله ، وقد جاء بعض هذا رفعا يبتدأ به ثمّ يبنى عليه ـ أي الخبر ـ يقول سيبويه : وسمعنا بعض العرب الموثوق به يقال له : كيف أصبحت؟ فيقول : حمد الله وثناء عليه ، كان يقول : أمري وشأني حمد الله وثناء عليه ،.
وهذا مثل بيت سمعناه من بعض العرب الموثوق به يرويه ـ وهو للمنذر ابن درهم الكلبي ـ :
فقالت حنان ما أتى به ههنا |
أذو نسب أم أنت بالحيّ عارف |
قالت : أمرنا حنان ، ومثله قوله عزوجل : (قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ)(٣)
__________________
(١) نسبه المبرد إلى ابن المفرّغ ، تفاقد قومي : فقد بعضهم بعضا ، إذ لم يعينوني على جارية علقت بها ، فكأنهم باعوا مهجتي.
(٢) أراد بالنجم اسم الجنس ، ويروى : عدد الرمل والحصى والتراب وبهرا : في الأساس يقولون :
بهرا له ، دعاء عليه بأن يغلب.
(٣) الآية «١٦٤» من سورة الأعراف «٧».