كأنهم قالوا : موعظتنا معذرة إلى ربّكم.
(٣) المصدر المنتصب في الاستفهام :
فذلك نحو قولك : «أقياما يا فلان والنّاس قعود» ونحو «أجلوسا والناس يعدون» لا يريد أن يخبر أنّه يجلس ولا أنّه قد جلس وانقضى جلوسه ولكنّه في تلك الحال ـ أي حال قعود الناس وعدوهم ـ في قيام وفي جلوس ، ومن ذلك قول الرّاجز ـ وهو العجاج ـ :
أطربا وأنت قنّسريّ وإنما أراد : أتطرب وأنت شيخ كبير السن.
ومن ذلك قول بعض العرب ـ وهو عامر بن الطفيل ـ «أغدّة كغدّة (١) البعير ، وموتا في بيت سلوليّة» كأنّه إنما أراد :
أأغدّ غدّة كغدّة البعير ، وقال جرير :
أعبدا حلّ في شعبي غريبا |
ألؤما لا أبا لك واغترابا |
يقول : أتلؤم لؤما ، وأتغترب اغترابا ، وحذف الفعلين لأنّ المصدر بدل الفعل.
وأمّا عبدا فإن شئت نصبته على النّداء ، وإن شئت على قوله : أتفتخر عبدا ، ثم حذف الفعل ، وقد يأتي هذا الباب بغير استفهام نحو «قاعدا علم الله وقد سار الركب» حذف الاستفهام بما يرى من الحال.
(٤) مصادر لا تتصرّف تنصب بإضمار الفعل المتروك إظهاره :
وذلك قولك : سبحان الله ، ومعاذ الله ، وريحانه ، وعمرك الله ، وقعدك الله إلّا فعلت (انظر في حروفها).
(٥) المصدر المنصوب الواقع فعله خبرا إمّا لمبتدأ أو لغيره :
وذلك قولك «ما أنت إلّا سيرا» أي تسير سيرا ، و «ما أنت إلّا سيرا سيرا» و «ما أنت إلّا الضّرب الضّرب» و «ما أنت إلّا قتلا قتلا» و «ما أنت إلّا سير البريد سير البريد» فكأنّه قال في هذا كلّه : ما أنت إلّا تفعل فعلا ، وما أنت إلّا تفعل الفعل ، ولكنهم حذفوا الفعل في الإخبار والاستفهام ، وأنابوا المصدر ، ويشترط فيه التّكرار أو الحصر.
وتقول : «زيد سيرا سيرا» و «إنّ زيدا سيرا سيرا» و «ليت زيدا سيرا سيرا» ومثلها لعلّ ولكنّ وكأنّ وكذلك إن قلت «أنت الدّهر سيرا سيرا» و «كان عبد الله الدّهر سيرا سيرا» و «أنت مذ اليوم سيرا سيرا».
وإنّما تكرر السّير في هذا الباب ليفيد
__________________
(١) هذه الغدّة خرجت على ركبته لما أصيب في حادثة انظرها في أمثال الميداني ، وسلول : أحطّ بيت في العرب ، يضرب في خصلتين إحداهما شرّ من الأخرى.