أنّ السير متّصل بعضه ببعض في أيّ الأحوال كان ومن ذلك قولك : «ما أنت إلّا شرب الإبل» و «ما أنت إلّا ضرب النّاس» وأما شرب الإبل فلا ينوّن ـ لأنّه لم يشبّه بشرب الإبل ـ.
ونظير ما انتصب قول الله عزوجل : (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً)(١) أي فإمّا تمنّون منّا ، وإمّا تفادون فداء. ومثله قول جرير :
ألم تعلمي مسرّحي القوافي |
فلا عيّا بهنّ ولا اجتلابا |
ينفي أنه أعيا بهنّ عيّا أو اجتلبهنّ اجتلابا.
قال سيبويه : وإن شئت رفعت هذا كلّه فجعلت الآخر هو الأوّل فجاز على سعة من الكلام ومن ذلك قول الخنساء :
ترتع ما رتعت حتّى إذا ادّكرت |
فإنّما هي إقبال وإدبار |
فجعلها ـ أي الناقة ـ الإقبال والإدبار ، وهذا نحو نهارك صائم وليلك قائم.
(٦) نصب المصدر المشبّه به على إضمار الفعل المتروك إظهاره :
وذلك قولك : «مررت به فإذا له صوت صوت حمار» ـ أي كصوت ـ و «مررت به فإذا له صراخ صراخ الثّكلى».
وقال النابغة الذبياني :
مقذوفة بدخيس النّحض بازلها |
له صريف صريف القعو بالمسد (٢) |
وقال النّابغة الجعدي :
لها بعد إسناد الكليم وهدئه |
ورنّة من يبكي إذا كان باكيا (٣) |
|
هدير هدير الثّور ينفض رأسه |
يذبّ بروقيه الكلاب الضّواريا (٤) |
فإنّما انتصب هذا لأنّك مررت به في حال تصويت ، ولم ترد أن تجعل الآخر ـ أي الصوت المنصوب ـ صفة للأوّل ولا بدلا منه ـ أي فترفعه ـ ولكنّك لما قلت : له صوت علم أنّه قد كان ثمّ عمل فصار قولك : له صوت بمنزلة قولك : فإذا هو يصوّت ـ صوت حمار ـ. ومثل ذلك «مررت به فإذا له دفع دفعك الضّعيف» ومثل ذلك أيضا «مررت به فإذا له دقّ
__________________
(١) الآية «٤» من سورة محمد «٤٧».
(٢) النّحض : اللحم ، والدّخيس : ما تداخل من اللحم وتراكب ، والبازل : السّن تخرج في التاسعة من عمر الناقة ، الصّريف : صوت أنياب الناقة إذا حكّت بعضها ببعض نشاطا ، القعو : ما تدور عليه البكرة من خشب ، والمسد : الحبل.
(٣) اسناد الكليم : إقعاد المجروح معتمدا على ظهره. ورنّة : الصوت بالبكاء.
(٤) الرّوق : القرن ، الضواري : الكلاب التي اعتادت على الصيد.