النظرية الرأسمالية. وقد قدم الاسلام منهاجاً واضح المعالم لتحقيق فكرة (العدالة الاجتماعية) ؛ فاعلن مبدأ اشباع جميع حاجات الافراد الاساسية بما فيه الكفاية ، وقرر ان للفقراء حقاً معلوماً في اموال الاغنياء ، واعلن ايضاً مبدأ المساواة في العطاء ، ومبدأ ان الاجر على قدر الجهد ونوعية العمل المنجز. ولاشك ان الضرائب الاسلامية الواجبة كالزكاة والخمس والصدقة الواجبة والكفارات والاضحية ، والضرائب المستحبة كالصدقة المستحبة والانفاق في سبيل الله تصل كلها الى اكثر من خمسة وعشرين بالمائة من واردات الافراد ؛ انما تصرف على الفقراء لرفع مستواهم الى مستوى الطبقة العامة التي يتمتع بها الناس في المجتمع الاسلامي. بينما يصرف النظام الرأسمالي اثنين بالمائة فقط من وارداته على الفقراء كاعانات غذائية لاشباعهم ، او صحية لمنع تفشي الامراض بينهم.
وبذلك ، فان النظرية الاسلامية تعارض بكل قوة مبادئ النظريات الاجتماعية الغربية الزاعمة بان انعدام العدالة الاجتماعية لها نواح ايجابية نافعة للنظام الاجتماعي ؛ لانه لايمكن تبرير الظلم الاجتماعي باية منفعة اجتماعية اخرى. الا ان التفاضل الاجتماعي في الاجور ينبغي ان يتم ضمن الضوابط العقلائية والاخلاقية التي يقرها المجتمع الكبير.
ولا شك ان دعوة الاسلام الافراد لتحريك ما لهم الصامت ، وان تنوع مصادر الحقوق الشرعية كالثروة الحيوانية والزراعية والنقدية ، يزيدان من فرص تنشيط النظام الاقتصادي من جهة ، ويزيدان من فرص ذهاب الثروة الى مستحقيها واشباعهم اشباعاً حقيقياً من جهة اخرى. أضف الى ذلك ، فان تحديد مسؤولية رب الاسرة حول النفقة والولاية الاسرية يفتح آفاقاً لتنظيم شؤون العمل في المجتمع ، لان اهتمام المرأة بدورها في البيت سيوفر فرصاً اكبر لارباب العوائل بالعمل لاشباع حاجات عوائلهم. كل ذلك ، اذا تم ضمن الاطار الاخلاقي الذي جاء به الاسلام ـ خصوصاً على صعيدي القناعة الذاتية بالرزق والنهي عن التبذير ـ فانه يضع الاسلام على قمة الانظمة الدينية والاجتماعية التي تعالج باسلوب واقعي قضية (العدالة الاجتماعية) ، وتحاول تنظيم حركة الاموال في النظام الاجتماعي بحيث يؤدي الى صياغة اسس طبقة اجتماعية واحدة عادلة متعددة الدرجات ، ويلغي في الوقت نفسه نظام الطبقات الرأسمالي الظالم.