الطبقة الرأسمالية بشكل مباشر ، بل انها لم تتوقع حتى ظهور طبقة من الموظفين مهمّتها انجاز الخدمات الاجتماعية كالتعليم والطب والقضاء وليس العمل ـ بالضرورة ـ ضمن وسائل الانتاج العملاقة. اما (النظرية التلفيقية) فقد اهملت الضابط الاخلاقي لا في تحديد اجور العمل ، بل وحتى في تفسيرها لعملية الصراع والتنافس الاقتصادي. ومن اهم اخطاءها انها اعتبرت زيادة الثروة الاجتماعية سبباً من اسباب انعدام العدالة الاجتماعية ، وهو رأي مردود لان انعدام العدالة يرتبط بنظام توزيع الثروة الاجتماعية لا بحجمها. ولم تقدم نظرية (ماكس وبر) تفصيلاً لضوابط العدالة الاجتماعية ، بل انها فسرت نشوء الطبقات الاجتماعية على اساس جديد لم يطرح سابقاً.
وهذه النظريات الاجتماعية جميعاً جعلت النظام الرأسمالي محوراً لتوجهاتها وتحليلاتها على صعيدي السلب او الايجاب. وحتى نستطيع ان ننقد هذه النظريات على المستويين النظري والتطبيقي ، كان لابد لنا من دراسة فكرة (العدالة الاجتماعية) ومصاديقها في اكثر المجتمعات والانظمة تمسكاً بالفكرة الرأسمالية ؛ الا وهو النظام الرأسمالي في الولايات المتحدة الذي يُدّعى انه محراب العدالة الاجتماعية. ولاشك ان البحوث التجريبية المطروحة في هذا الكتاب تثبت العكس تماماً. وهو ان النظام الرأسمالي الطبقي بما يمثله من تراكم للثروة في طرف وحرمان له في طرف آخر من اكثر الأنظمة الاجتماعية ظلماً واجحافاً بحقوق الانسان المادية والمعنوية. فلاريب ان نرى ان افقر فقراء العالم المعاصر يعيشون تحت ظل النظام الرأسمالي الامريكي ، في الوقت الذي نرى فيه ان اغنى اغنياء العالم يعيشون على نفس ارض ذلك النظام الاجتماعي ايضاً. الا ان هذا الفارق الشاسع في نظام الاجور والمكافآت الاجتماعية وتوزيع الثروة ترفضه الرسالة الدينية الإلهية بشكل قاطع.
فالاسلام لم يجعل الرابط التكويني بين الافراد مقدمة لفكرة (العدالة الاجتماعية) فحسب ، بل جعل التفاضل الإلهي بين الافراد صورة عاكسة لفكرة التعاون والتكاتف الاجتماعي لتحقيق تلك (العدالة) المنشودة. ولا شك ان تنوع الادوار الاجتماعية التي يقوم بها الافراد ينتج اختلافاً في درجات العيش ضمن الطبقة الواحدة التي أقرّها الاسلام ، وليس تعدداً للطبقات كما أكدّت على ذلك