قال : سمعته يقول : إيّاكم والتنويه (١) ، أما والله ليغيبنّ إمامكم سنينا من دهركم ، ولتمحّصنّ ، حتّى يقال : مات أو هلك ، بأيّ واد سلك؟ ولتدمعنّ عليه عيون المؤمنين ، ولتكفأنّ كما تكفأ السفن في أمواج البحر ، ولا ينجو إلّا من أخذ الله ميثاقه ، وكتب في قلبه الإيمان ، وأيّده بروح منه ، ولترفعنّ اثنتا عشرة راية مشتبهة ، لا يدرى أيّ من أيّ ، قال : فبكيت ، فقال [لي] : ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ فقلت : وكيف لا أبكي وأنت تقول : اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يدرى أيّ من أيّ ، فكيف نصنع؟ قال : فنظر إلى شمس داخلة في الصفّة ، فقال : يا أبا عبد الله ، ترى هذه الشمس؟ قلت : نعم ، قال : والله لأمرنا أبين من هذه الشمس.
__________________
(١) قال المجلسي في البحار ج ٥٢ ص ٢٨٢ : التنويه : التشهير ، أي لا تشهّروا أنفسكم ، ولا تدعوا الناس إلى دينكم ، أو لا تشهّروا ما نقول لكم من أمر القائم عليهالسلام وغيره ممّا يلزم إخفاؤه عن المخالفين. «وليمحص» على بناء التفعيل المجهول ، من التمحيص ، بمعنى الابتلاء والاختبار ، ونسبته إليه عليهالسلام على المجاز ، أو على بناء المجرّد المعلوم ، من محص الظّبي كمنع إذا عدا ، ومحص منّي أي هرب. وفي بعض نسخ الكافي على بناء المجهول المخاطب من التفعيل مؤكّدا بالنون ، وهو أظهر. وقد مرّ في النعماني «وليخملنّ» ، ولعلّ المراد بأخذ الميثاق قبوله يوم أخذ الله ميثاق نبيّه وأهل بيته مع ميثاق ربوبيّته كما مرّ في الأخبار. «وكتب في قلبه الإيمان» إشارة إلى قوله تعالى : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) ، والروح هو روح الإيمان كما مرّ ، «مشتبهة» أي على الخلق ، أو متشابهة يشبه بعضها بعضا ظاهرا و «لا يدرى» على بناء المجهول ، «أي» مرفوع به ، أي لا يدرى أيّ منها حقّ متميّزا من أيّ منها هو باطل ، فهو تفسير للاشتباه ، وقيل : «أيّ» مبتدأ ، و «من أيّ» خبره ، أي كلّ راية منها لا يعرف كونه من أيّ جهة من جهة الحقّ أو من جهة الباطل ، وقيل : لا يدرى أيّ رجل من أي راية لتبدو النظام منهم ، والأوّل أظهر ، انتهى.
اثبات الهداة : ج ٦ ، ص ٤١١ ، ب ٣٢ ، ف ٥ ، ح ١٥٤ مختصرا.